هل يمكن للإنسان أن يسمح لقلمه - وقبل ذلك ضميره وقلبه - أن يخوض في أعراض الناس وفي عيوبهم؟! وأن يتدخل في رسم الملامح العامة والخاصة لشخصياتهم؟؟ وهل من اليسير أن يطلق العنان لآرائه وتفكيره في الحكم على الآخرين بالسلبية أو الايجابية؟؟
تطرقت لهذا الموضوع بعدما استلمت رسالة من صديقة لي طلبت فيها أن أنقد شخصيتها بذكر المحاسن والمساوئ أو بالأصح الايجابيات والسلبيات على حد سواء، واعتبرت الأمر مجرد رغبة ذاتية وهواية شخصية دفعتها لمعرفة رأيي الذي تكوّن في هذه المساحة الزمنية التي عرفتها فيها.
أجزم القول: إن مثل هذا العمل ليس بالأمر الهين السهل؛ فالضمير الإنساني الحي، والعقل البشري الواعي وحتى العاطفة والشعور سترفض ذلك، ولن تسمح بالاعتداء على حدود وأطر شخصية معينة؛ حتى وإن كان الأمر بالرضا وتحت طلب.
الإنسان بطبيعته الفسيولوجية تركيبة مزاجية معقدة تتبدّل وتتغير مع تغير الظروف - أياً كان نوعها - وحصر تصرفات الإنسان ضمن أنواع وأجناس ليس من باب العدل والانصاف في حق الموصوف.. فربما يكون يوماً من الأيام سعيداً فتتبدل ظروفه إلى حزن وشقاء وهكذا.
وحتى عند محاولة النقد الذاتي الشخصي، نتساءل عن ماهية المعيار الحقيقي والصائب في تصنيف التصرفات السلبية بأنها سلبيات أو عيوب، والعكس صحيح، لذلك أقول: إن الإنسان الوحيد الذي سيكون الفيصل والحكم هو المختص في مجال تحليل الشخصية، وصاحب دراسات في علم النفس، وعارف لتصرفات البشر عموماً.. أما الإنسان العادي فلن يمكنه رسم تلك الصورة الصادقة الجليّة الوضوح التي تشبع رغبة الموصوف؛ لأنه بأيّ حال من الأحوال سيقع في الخطأ مهما حاول جاهداً، لغياب كثير من أبجديات التعامل مع هذه الأمور بدون تدخل ظروف خارجية تسيّر وتوجّه هذا النقد إلى صورته البناءة، وهذا ما يرجعني إلى ما ذكرته سلفاً بأن الأمر ليس بالهين السهل.
إن من الأهمية بمكان أن يدرك الإنسان أنه لا يوجد إنسان على وجه البسيطة كاملٌ فالكمال صفة ربانية لا تليق إلا بالواحد الأحد، وأن ابن آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون.
بل لا بد من استيعاب أن التباين في التصرفات السلوكية هي الميزة التي تفرّق بين بني البشر - وهي حكمة إلاهية - وإلا لما كان هناك فوارق ولا اختلافات، وأصبح الجميع سواسية في تصرفاتهم، بل هي النكهة التي تجعل للحياة طعماً في مجال العلاقات الاجتماعية، فلكل إنسان شخصيته الخاصة به.
وحليّ بالإنسان الواعي المدرك لهذا الأمر، والمتفهم لهذا الواقع أن يترك رحلة الغوص الإنسانية في الذات البشرية جانباً؛ لأن إشغال النفس بهذه الأمور هو إشغال من دون فائدة ترجى، بل إنها تشكل عائقاً لتمتع الانسان بحياته، وهي مدعاة لزرع الشك في النفس، وبيئة خصبة لانتشار الأوهام، وآفاق واسعة لإطلاق التخيلات التي تولد نوعاً من الإحباط.. وقبل ذلك هو جرح لمشاعر إنسانية في ذاتها الباطني لا بد أن تحترم..
** وقفة:
الحب الذي يستوطن القلوب، هل يغيره ذكر العيوب؟؟!!
| 
