مما لا شك فيه ولا ريب ان الإنسان بهذه الحياة مهيأ لما خلق وما يسر له، وأيضاً له اتجاهه الخاص به عن سواه، فمثلاً العامل قد أخذ اتجاهه وهو الكد في سبيل العيش والصانع كذلك والفلاح كذلك وكل سائر بدربه الذي جبل عليه إذا كان كذلك فما هي مهمة الطالب بهذه الحياة ولا سيما طلبة الأمة الإسلامية الذين جلبوا وولدوا على الفطر «كل إنسان يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» ان العبء الثقيل الذي تحمله الطالب المسلم والقي على عاتقه يشعر بكرامة ذلك الطالب ومكانته وميزته من غيره {هّلً يّسًتّوٌي الذٌينّ يّعًلّمٍونّ وّالَّذٌينّ لا يّعًلّمٍونّ} الآية.. نعم انه يشعر بكرامته فلن يمدح من ليس أهلا للمدح، ولن يحمل الثقيل من يعجز عن حمله.
إن الخالق سبحانه أعلم حيث يجعل رسالته ان الانسان بشكل عام خليقة الله في أرضه ولا سيما ذلك المتعلم الفاهم لحقائق الكون والغاية من وجوده على هذه البسيطة. إن طالب العلم في هذه الحياة هو وارث الأنبياء حيث إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورثوا العلم، فمن أخذه فقد أخذ بحظ وافر. من هذا المبدأ يمكننا ان نحكم على الطالب في هذه الدنيا ان مهمته الوحيدة وهدفه الرئيسي هو بذل ما في الوسع لتحقيق الهدف المنشود منه والذي أوجد من أجله ونحن وبلا شك بحاجة إلى جهود أولئك الطلبة المصلحين المقومين للأخلاق والمحبين للمثل الإسلامية والتي بها سدنا الشرق والغرب وخاف هيبتنا ملوك الفرس والروم أولو القوة والبطش. يقول الأستاذ كرد علي: هذا ما كان من إدارة دولة امتد حكمها مسافة مائتي يوم من المشرق إلى المغرب تقرأ آي القرآن في سمرقند كما تتلى في قرطبة، ويتلاقى السوداني مع الهندي في موسم الحج. وفي أيام الأمويين ظهرت على الممالك قدرة وغنى، وكانت كلمة الدولة نافذة في ثلاثة أقسام من الأرض: آسيا وافريقيا وأوروبا.. وأخذت الجزية التي قررها عمر بن الخطاب من النوبة، ومن الهند والصين على ما قدرها مسلم بن قتيبة الباهلي على قواعد العدل وقسطاط الحق.. وانتشرت حضارة الإسلام في نصف قرن تقريباً من سواحل المحيط الاطلنطي إلى بلاد الصين، ومن جبال القوقاز وما ورائها إلى خط الاستواء وما ورائه.. ودخلت في حوزة الإسلام أمم كثيرة.
|