قالت إحدى ربات البيوت لجارتها، وبصوت مملوء بالفخر والثقة: إن أطفالي يأكلون حسب إعلانات التلفزيون! فما أن يظهر منتج جديد معلن عنه إلا ويطالبون به، وحتى أنواع الحليب التي يفضلونها متأثرة بأنواع الدعايات المفضلة لديهم!! ولم تكن ربة المنزل هذه تعلم -أو حتى تهتم- بتوعية الأطباء المستمرة بضرورة الحرص على تغذية الأطفال الغذاء الصحي المتوازن.
فمعظم مايتم عرضه على «الشاشات» يكون مجرد منكهات، وذا فائدة صحية غير مجدية؛ إن لم يكن ضاراً بصغار السن، وخلال العقود الأخيرة من القرن الماضي، حدثت تبدلات كثيرة في أسلوب الحياة للأطفال، خصوصاً العادات الغذائية، وهو ما يمكن ان يعزى للتبدلات في بيئة الأسرة، خصوصاً والمجتمع عموماً -كما يقول د.ساري دعاس (استشاري أمراض الأطفال وحديثي الولادة بمستشفى الحمادي بالرياض، مجاز من هيئة البورد العربي).
وهنا يلخص لنا د.دعاس أهم الأمور التي أسهمت في هذه التبدلات، هكذا:
1- تأثير الدعاية والإعلان: وبخاصة التلفزيون، فعلى مدار العام يمكن للطفل العادي أن يمضي من الوقت يشاهد ويتابع برامج التلفزيون أكثر ما يخصصه للدراسة، ولا يخفى على أحد ان الأطفال قد أضحوا هذه الأيام هدفا رئيسا لبرامج التلفزيون وخاصة الدعائية منها وجزء لا يستهان به من هذه الدعايات يدعو ويروج لاستهلاك الأطفال مأكولات ومشروبات مختلفة غالباً ما تكون ذات نوعية متدنية، قيمتها الغذائية محدودة وغالباً عالية الكالوري وغالباً تحتوي كميات كبيرة من المواد الدسمة (من النوع المشبع على الأرجح لأنها أرخص) والسكر والكلسترول وقلما نجد الفيتامينات والمكونات الغذائية الزهيدة الأخرى على أن تساهل أو لا مبالاة الوالدين تفضي لمزيد من ميل الأطفال لتناول هكذا أغذية خاصة ان الاعتناء بشكلها وطعمها كبير كبير.
2- الدعوة المتزايدة للنحف والتنحيف من قبل الثقافة الاجتماعية عامة وهي قد وجدت في وسائل الإعلان المرئية والمسموعة مطية هامة: هذه الدعوة الرائجة تملي أساليب خاصة للسلوك الطعامي والغذائي، وبناء على ما ذكر أصبح الأطفال عموماً والبنات خصوصاً عرضة لضغوط كبيرة من عائلتهم من جهة ومن البيئة الاجتماعية من جهة أخرى وذلك فيما يتعلق بالتحكم باستهلاك الطعام كماً ونوعاً، ويمكن لمثل هذه الضغوط ان تنشأ في الطفولة الباكرة ولكنها تبلغ أوجها عند الأطفال بسن المدرسة وبالأخص في المراهقة وقد يفضي هكذا سلوك لاضطراب في الميزان الغذائي وحتى لنحافة مرضية ولا يخفى ان هناك أعداداً هامة من الأطفال بسن المدرسة وقبلها ممن لايتلقون إشرافاً والدياً كافيا يتناولون أطعمة غير مضبوطة غذائياً لا كماً ولا نوعاً.
3- تأثير التعليم: يلعب المستوى التعليمي والاجتماعي والاقتصادي للعائلة دوراً هاماً في تحديد أسلوب الحياة للطفل وعاداته الغذائية وأخص بالذكر مستوى الأم التعليمي والثقافي فإذا عرفنا مستوى تعليم الأم أمكن التنبؤ بنوعية الطعام للأطفال في هذه العائلة.
4- العوامل الثقافية والوراثية: في كثير من الأحيان يمكن ان نرد النماذج التغذوية للعائلة جزئياً لأمور ثقافية وتراثية موروثة حيث يتم تأسيس النماذج التغذوية عند الأطفال بسن يبدأ بعد (1-2) سنة فما فوق وقد يمتد ويتواصل مدى الحياة ولا يخفى ان الطعام المحتوي على مكونات غذائية مختلفة ونكهات عديدة بألوان وقوام مختلف، لن يضمن تغذية ونمواً كافيين فقط بل سيعطي القدرة على اتخاذ الخيارات المناسبة بين أصناف الطعام.
يؤسس طعام العائلة المتوازن صحة جيدة للطفل ويمنحه أساساً صلباً للمستقبل عندما يبدأ الطفل بقضاء مزيد من وقته بعيداً عن المنزل كالمدرسة وسواها حيث يتعرض الأطفال غالباً في أماكن كهذه للعادات الغذائية السيئة التي عند أقرانهم.
ويوضح د.ساري دعاس بتعرض بعض الأطفال بشكل خاص في مرحلة ما قبل المدرسة لمجال واسع من الأطعمة المختلفة التركيب والنكهة والقوام واللون ولكن الأطفال في هذه السن يكون أكلهم وشربهم أقل من باقي المراحل ما عدا الحليب ومشتقاته التي يكون استهلاكها مشتابها في معظم مراحل النمو للطفولة، ويلي الألبان ومشتقاتها الفواكه والخضراوات والحبوب والسكاكر واللحوم يتعلق المقدار المأخوذ من المواد الغذائية الزهيدة كالفيتامينات والمعادن بمعدل المأخوذ من أغذية الطاقة فإذا انخفضت الأخيرة دون حد معين حصل نقص أيضاً ببعض المعادن كالحديد والزنك مثلاً.
أما عدد الوجبات اليومي لدى الأطفال فهو كما يقول د.دعاس يختلف عدد الوجبات التي يأكلها الطفل كل يوم تبعاً لمستوى العائلة التعليمي وعاداتها والمستوى الاقتصادي والاجتماعي كما يتبع عمر الطفل وجنسه مع عوامل أخرى فيأكل الناس في المجتمعات المصنعة ثلاث أو أربع وجبات أساسية مع تصبيرات (وجبات خفيفة) لمرتين أو أكثر على أنه يجب التنبيه على أن الفطور (وهو نظرياً وجبة رئيسة يجب أن تحوي من 20 إلى 25% من إجمالي الوارد الغذائي اليومي) غير كاف عند (20 إلى 40%) الأطفال فهو إما وجبة صغيرة أو يحذف تماماً.
وأظهرت بعض الدراسات الحديثة للأطفال بسن قبل المدرسة ان استهلاك المواد الدسمة المشبعة والكلسترول مرتفع نسبياً في حين ان استهلاك المواد الدسمة غير المشبعة والنشويات والسكاكر أقل كما أن دراسات عديدة قد أشارت إلى ان العديد من أطفال المدارس ومن هم أصغر منهم أيضاً لديهم نقص في الوارد من المواد الزهيدة مثل الفيتامينات B:C:E:D الحديد والكالسيوم، السيلينيوم، المغنيسيوم، اليود، الزنك، وحمض الفوليك.
وبما أن الغذاء الصحي هو الذي يتيح صحة ونمواً وتطوراً مثاليين فإنه لا يمكن الحصول عليه إلا بتناول أطعمة متنوعة جدا ذات قيمة غذائية مختلفة وبشكل معتدل.
|