تسألني بعضْ الجامعيَّات عندما يتمادى بنا النقاش على هامش المحاضرات عن الفرق إن وجد بين طالبات «الآن»، وما قبل، إن وجدت من فروق...
وأجد في هذا السؤال ما يوافق توجُّهاً شخصياً نحو الوقوف على المتغيرات الشخصية في جيل هذا العقد وما سبقه من حيث الرغبة في التحصيل، والسلوك الفكري للشخصية المستقلة، والتوجَّه نحو التحصيل من حيث الاختصاص أو الثقافة العامة، والأساليب الخاصة أو العامة للتحصيل. وغالباً ما تكون المحصَّلة في صالح من سبق من جهة الجهود الخاصة والتوَّجه الذاتي نحو الوصول والاستفادة من أقنية المعلومات (الكتاب) أو «الشريط» أو «الدوريات» أو قاعات المحاضرات والندوات واللِّقاءات، أو البرامج الإعلامية. ثمَّ أصبحت «المعلومات»، و«الخبرات» التي تُجهد فيها السابقات متوفرة بأيسر السبل الآن للجميع... إذ يكفي ما تقدمه وسائل الإعلام وانتشار وسهولة البث الفضائي الذي نقل المعلومة وقدمها للفرد شاء أم أبى ليس عليه إلاَّ الضغط على أزرة القنوات، أو أجهزة الحاسوب فيكون بين يديه المعلومة تتلقاها أذناه وعيناه وتنصبُّ في سمعه وبصره ومن ثمَّ في تجويفة رأسه ليحفظها تذكَّراً، أو يفهمها إدراكاً... بينما لم تكن ميسرة على هذا النحو لدى من سبق وكان عليه السعي لمعرفة كلِّ ما يشاء دون أن يقف عفواً على ما لم يشأ كما هو الوضع الآن.
إنَّ هناك شعوراً جميلاً كان يراود من سبق حصيلة ما نتج عن جهده وسعيه، بينما فقد هذا الشعور الآن من تأتيه المعلومة دون أن يسعى إليها.
ناهيك عن بقية ما تغيَّر من أساليب وأنواع وأنماط وأوقات وهيئة وكيفية وكمية لما هو متاح الآن في كلّ ما يضيف فرص التطوير والاكتساب وتوجيه التَّوجهات وبلورة الأفكار وإنهاض القدرات ممَّا لم يكن يتاح لمن سبق إلاَّ حيث يسعى ، ومتى يريد.
إنَّ البحث في مثل هذا، ومقابلة ما كانت عليه فرص سعة الخبرات بجهود فردية، وما هي عليه بتكثيف ما فرضته تطورات الوسائل الوسيطة في بلوغ الإنسان حيث وكيف ومتى ما يكون وأين ما يكون فيه متعة قد تتطور من الرغبة الخاصة في المعلومة الخاصة للباحث إلى الرغبة الواجبة لتوثيق الضرورة من أجل برامج جديدة من شأن من يضعها أن يتخيل لهذا الجيل فرص تعديل سلوكه ونهج مكتسباته التي أصبحت هشة وهزيلة وفارغة بعكس ما هي عليه معطيات عصره. حيث يعكس ما تحقق من العمق والثراء لمن سبقه مع ضعف وقصور الإمكانات حينذاك.
|