لعله من المهم أن تؤسس العلاقة بين المؤسسات المجتمعية والأفراد الذين هم خارج المؤسسة على أساس من الثقة المتبادلة، والتفاهم الكبير. ويعتقد الناس - عادة - أن من حقهم أن يعرفوا تفاصيل الأمور التي تجري في مؤسسات المجتمع التي تعمل لصالحهم العام أو الخاص. وإذا ارتبطت تلك القرارات بالشؤون المصيرية في الحياة العامة تجاوز الأمر الرغبة في المعرفة ليصل إلى السعي إليها وبذل الجهد من أجلها. ويتكوّن هذا الشعور نتيجة الاعتقاد السائد لدى الناس بأن تلك المؤسسات إنما تعمل من أجل صالحهم العام، وهو اعتقاد جدير بالعناية والاحتزام لأنه يمثل حقيقة الأمر من وراء إنشاء المؤسسات العامة في المجتمع وصياغة أهدافها. غير أن الشُّقة ما تلبث أن تبدو بين أفراد المجتمع مؤسساته عندما تنفصم عرى العلاقة الطيبة المتبادلة بين الجانبين، نتيجة فقد الثقة أو نقص المعلومات المتاحة. وهذا الأمر - كما يبدو - أمر شائع في معظم مجتمعات الدنيا.
وبالنظرة الفاحصة لواقع مجتمعنا السعودي، نجزم بأن مؤسسات القطاع العام - بشكل خاص - في المجتمع، لم تُنشأ إلا لرعاية الناس وخدمتهم والعمل على تطويع مخرجات الحياة المعاصرة لصالحهم. وعلى هذا الأساس قطعت تلك المؤسسات أشواطا عديدة في مسيرة التنمية المجتمعية. ويُحسب لمعظم هذه المؤسسات أنها كانت ولا تزال تبذل جهوداً ما من أجل تطوير خدماتها من حين لآخر. لكن، من الملاحظ أيضا أن هذه المحاولات الجادة للتطوير تعاني من نقص في جانبين: الأول، أن منهجية التطوير غير محددة المعالم ولا تسير - بشكل عام - وفق منظومة إدارية هرمية مقرة وواضحة ومعلنة، وبذلك شاعت ثقافة (التعميمات) التي تعبر في واقع الأمر عن أنظمة يتم تحديثها أو إلغاؤها، أو استبدالها، أو إنشاؤها من العدم. الثاني، أن عملية التغيير التي تحدث تبقى - غالبا - رهينة رؤوس أصحابها والمتعاملين معها من الموظفين، بينما يبقى الناس (الجمهور العريض للمؤسسة) آخر من يعلم بذلك. وكنتيجة طبيعية، تتكوّن لدى الناس أفكار ورؤى غير صحيحة عن واقع مؤسسات المجتمع. إن النقص الحاد في المعلومات المتاحة حول الجهود الكبيرة التي تبذلها تلك المؤسسات (بصرف النظر عن مستوى تلك الجهود ومدى الاتفاق حولها) مدعاة لتشكل ثقافة مناوئة للمؤسسة، وغير واثقة بها، وبالتالي غير راضية عن خدماتها، بل وربما مناهضة لنشاطها. ولعل التبرير المتستر في أذهان أصحاب القرار في تلك المؤسسات أن الكلام إذا كان من فضة فإن السكوت من ذهب. وبذلك ذهبت تلك المؤسسات بحقوق كثيرة للناس في أن يعلموا - فقط - ما الذي يجري داخل مؤسساتهم المجتمعية، وكيف يتم اتخاذ القرارات، وكيف تتم عملية التطوير والتغيير. وفي ظل غياب المعلومة الصحيحة والمعلنة (بشجاعة وجرأة متعلقة) قد يسود الحدس والتخمين بين الناس، وتصبح الاشاعات مصدراً وحيداً للمعرفة بما يجري في المجتمع، وتصاغ وفقاً لمرجعية الاشاعة والأكاذيب دساتير وشرائع لا وجود لها في الواقع. والنتيجة أن يكون الناس مقصد المريدين في هذه البيئ{ التي تنقص فيها المعلومة، أو تُحتكر لجهة أو لشخص أو لمجموعة أشخاص في المؤسسة. إن المعلومة الصحيحة والمفصلة حق للجميع، وينبغي إتاحة الفرصة للناس ليعرفوا معظم الأشياء من مصادر معلنة منظمة مدعومة بكل الوسائل والإمكانات المطلوبة، من أجل أن تحتمي كياناتنا المجتمعية بالمعلومة، بدل أن تخوض في مزالق الإشاعات والأكاذيب والضبابية، فتؤتى من حيث تدري، وتؤتى من حيث لا تدري.
(*) عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام
|