للأمثال الشعبية دلالات موضوعية يمكن إسقاطها على الكثير من شؤون الحياة، خاصة تلك التي تمس الشأن الاقتصادي بحكم أهميته في حياة الناس في العصر الحديث.
وقد يكون ذلك بمثابة توعية عامة تعيد المجتمع إلى أبجديات الاقتصاد في تعاملاته اليومية كمنتج وكمستهلك، وفي ذلك التوجه ضمانة عفوية يوفرها المجتمع لفعاليات الاقتصاد لكي ينضبط أداؤها وترتقي كفاءتها، وذلك شرط أساسي لحسن استغلال واستثمار الموارد الاقتصادية المتاحة.
ينظر عامة الناس، وهم الغاية والوسيلة للعملية التنموية، إلى النظريات الاقتصادية كطلاسم يصعب عليهم فك رموزها، الأمر الذي يصعب معه، بالضرورة، أن تجد هذه النظريات طريقها إلى التطبيق، فتنعدم فائدتها وتتحجم قدرتها على معالجة قضايا الاقتصاد، ولعل ربط النظريات الاقتصادية بالأمثال الشعبية الدارجة في المجتمع، يكون فرجاً من مأزق نظرته إليها ومدى تفاعله معها وتقبله لها.
وقفت، بحكم عملي، على تجربة أحد رجال الأعمال في إدارة شركته التي تحقق أرباحاً ترضيه، في وقفتي تلك تذكرت المثل الشعبي «يا مسترخص.. يا مستنقص». كان ذلك الرجل يوظف موظفين ذوي كفاءات متدنية لا تتناسب مع طبيعة عملهم، فلسفته في ذلك هي انخفاض أجورهم ورغبته في تخفيض التكاليف، ظناً منه بأن تخفيض التكاليف هو أساس تحقيق الأرباح، صحيح أن شركته تحقق أرباحاً ترضيه، ولكن الأسئلة التي لم يحاول هذا الرجل الإجابة عنها هي، هل مستوى ما تحققه شركته من أرباح هو المستوى الأمثل؟ هل فكر هذا الرجل في حجم الفاقد من الإنتاج بسبب تدني كفاءة موظفيه؟
ألا يجب الربط بين قيمة الإنتاجية الحدية للموظف والتكلفة الحدية للإنتاج؟ أليس ذلك محدداً لمستوى الأرباح؟
عناصر الإنتاج في الفكر الاقتصادي التقليدي تتكون من المواد الطبيعية ورأس المال والعمل، والمزج بين هذه العناصر هو أساس العملية الإنتاجية، وترتقي هذه العملية الإنتاجية، في الفكر الاقتصادي الحديث، بوجود المنظم الذي يحسن هذا المزج، وهذا المنظم هو عنصر إنتاجي فاعل يؤدي غيابه إلى سوء استغلال واستثمار الموارد الاقتصادية المتاحة، والمنظم في العملية الإنتاجية يتجسد في الموظف الكفء الذي يفهم عمله ويحسن أداؤه فترتفع إنتاجيته الحدية، وهو في هذا السياق، له ثمن، ولا يمكن عزل الثمن، أي ثمن، عن دلالات المدخلات والمخرجات في العملية الإنتاجية، ومنها ما ينتمي بالضرورة إلى تحديد مستوى الأرباح.
في النظرية الاقتصادية، لا يمكن الحكم على مستويات الأداء، سواء في الإنتاجية أو في الربحية، بالأرقام المطلقة دون نسبتها إلى مكونات العملية الإنتاجية، وفي هذا الإسناد قد تكون الأرباح، التي يعتقد رجل الأعمال أنها مرضية، دون المستوى الأمثل، والفشل في تحقيق المستوى الأمثل للأرباح هو فشل إداري يحتاج إلى معالجة اقتصادية.
الرضا والقناعة شيء، والقبول بأرباح متواضعة شيء آخر ذلك لأن الوصول إلى المستوى الأمثل في تحقيق الأرباح، هو معيار حقيقي لحسن استغلال واستثمار الموارد الاقتصادية المتاحة، وفي ذلك يتحقق التوظيف الأمثل لموارد الاقتصاد الكلي، فالكل يتكون من الجزء.
على هذا المفهوم الترابطي، تقوم النظرية الاقتصادية التي تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة مع عدم التفريط بالمصلحة الخاصة، وهذا يعني بالضرورة أن الحرص على المصلحة الخاصة شرط أساسي لتحقيق المصلحة العامة، وفي هذه الحالة ينشأ مجتمع الرفاه الاقتصادي، بحيث تتوزع عائدات الإنتاج بين جميع العناصر الإنتاجية التي أسهمت فيه، كل حسب قيمة إنتاجيته الحدية، لذا فإن الاسترخاص لا يحقق المستوى الأمثل للأرباح، وإن كانت الأرباح المتحققة مرضية كما يعتقد ذلك الرجل، ناهيك عن أن في القبول بأرباح متواضعة ليس ظلماً لنفسه فحسب، بل ظلم للمجتمع بأسره، وذلك ما لا ينبغي.
* رئيس دار الدراسات الاقتصادية - الرياض |