Thursday 1st January,200411417العددالخميس 9 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

بصراحة بصراحة
قراءة ..في تصحيح الصورة 1/2
لبنى وجدي الطحلاوي ( * )

إن كنا نرغب بالفعل في تصحيح صورة الإسلام والمسلمين لدى الغرب وأن ننجح في ذلك، فعلينا أن ندرك جيداً كامل الحقيقة لتلك الصورة وجذورها في الذهنية الغربية أولاً.
وأول خيوط يجب أن نمسك بها لتقودنا إلى تلك الحقيقة الكاملة هي أن أحداث 11 سبتمبر فجرت حقيقة ما يحمل الغرب بداخله من صور ومعتقدات تتعلق بالإسلام والمسلمين وأخرجت ذلك للعلن.. وكانت الفرصة السانحة لتنفيذ مخططات وملفات كانت معدة سابقاً للأمة العربية والإسلامية .. والقول بأن أحداث 11 سبتمبر صنعت تلك الصورة المشوهة عن الإسلام والمسلمين فهذا بالتأكيد ليس كامل الحقيقة فهناك صورة نمطية مشوهة عن الإسلام والمسلمين في الذهنية الغربية من قبل أحداث 11 سبتمبر، وأحداث سبتمبر استثمرتها وجعلتها تحت دائرة الضوء، وهذا يفسر ما يتعرض له الإسلام والمسلمين الآن في الغرب، فالرسالة المحمدية لم تنزل في 11 سبتمبر 2001م ولم تكن تحمل مخططات نسف البرجين في نيويورك أو مبنى البنتاغون في واشنطن.
والمشكلة أننا لا نريد مواجهة الحقيقة المرة بأن الغرب يعتبر إلهنا وثناً ورسولنا إرهابياً ونحن عدواً روحياً يدعى الشيطان .. ويعتبر أن جميع الفتوحات الإسلامية هي غزوات إرهابية.
وهذا يعكس ما نسمع ونرى عن الإسلام والمسلمين ينشر في الصحافة الغربية ويقال في وسائل الإعلام الغربي ويتفوه به مسؤولون غربيون رفيعو المستوى من تصريحات تمس إلهنا ورسولنا وعقيدتنا الإسلامية.. فهذا في الذهن الغربي منذ زمن بعيد.. والعبارات التي تفوه بها نائب وكيل وزارة الدفاع لشؤون المخابرات الجنرال الأمريكي (ويليام بويكين) بأن الإسلام والمسلمين عدو روحي يدعى الشيطان، وإلهنا حقيقي بينما إله المسلمين فهو مجرد وثن.. وما قاله القس (جيري فالويل) الذي وصف رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم (بأكبر إرهابي)، والصحافي الأمريكي الذي طالب في الصحافة الأمريكية بعد أحداث سبتمبر مباشرة بنسف الكعبة المشرفة بالنووي، وبيلي غراهام وابنه فرانكلين، وبات روبرتسون وغيرهم الكثر.. ممن يسقطون ما بداخلهم من كراهية وعداء للإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام الأمريكية كل يوم، فهذه التصريحات كما قال الأستاذ (فهمي هويدي) ليست مجرد أخطاء نطالب بالاعتذار عنها.. بل هي ثقافة سائدة بالفعل في الغرب.
ولذلك نحن في أمس الحاجة لمعالجة تلك الثقافة السائدة المشوهة لصورة الإسلام والمسلمين ودحض جميع تلك الافتراءات من معتقدات ومفاهيم خاطئة، ولكن علينا أن نقرأ جيداً تلك الصورة النمطية عن الإسلام والمسلمين في الغرب وأن نفهمها جيداً وندرك جذورها وأبعادها كما ذكرت سابقاً، لكي نستطيع بالفعل التعامل معها بواقعية وبأدوات علمية وعملية وبلغة يفهمها الغرب جيدا لاتخاذ الآليات الملائمة لتوصيل الصورة الحقيقية للإسلام والمسلمين إلى الغرب ومحو الصورة النمطية المشوهة عن الإسلام والمسلمين في الذهنية الغربية، وبقدر فهمنا للعقلية الغربية وللغة التي يجب أن نخاطب بها الغرب بقدر ما يتوقف نجاحنا في توصيل الصورة الصحيحة وإحلالها تدريجيا محل الصورة النمطية المشوهة وبشكل أسرع.
ولذلك الأمر يعتمد بالدرجة الأولى على مثقفي الحوار، الذين يجيدون لغة التخاطب مع الغرب ويدركون العقلية الغربية والتفكير الغربي عن قرب لأنهم حلقة الوصل الأساسية والمهمة لتوصيل تلك الصورة، ولدينا أمثلة عدة لأكاديميين عرب في الغرب وأمريكا تحديداً يجيدون ذلك، واستطاعوا أن يخوضوا جدلا موضوعياً عقلانيا مع الغرب وأن ينتصروا في النهاية وبشكل ساحق.. ومن أمثلة ذلك الأكاديمي الفلسطيني الأمريكي الجنسية الدكتور إدوارد سعيد الذي يتصدى بالنقد والتحليل لكل من يشوه الحقائق الثابتة لتاريخ العرب والمسلمين نتيجة لجهله أو كراهيته، ومن أشهر ذلك تصدي إدوارد سعيد لواحد من أشهر بقايا مدرسة المستشرقين التي نمت وترعرعت في أحضان الاستعمار الأوروبي للعالم الإسلامي وهو (برنارد لويس) صاحب كتاب (الهويات المتعددة للشرق الأوسط) الذي تصدى له إدوارد سعيد ونقده نقداً لاذعا في كتابه الشهير (الاستشراق) الذي أثار ضجة عالمية كبيرة في الوسط الأكاديمي الغربي، لنجاحه في إبراز العلاقة الوثيقة بين المنهج العلمي الذي يتبعه المستشرقون وبين الصراع الحضاري والسياسي المستمر بين الغرب والشرق مقدما دليلا بعد آخر ليبين الارتباط الوثيق بين التحولات السياسية والفكرية في أوروبا على مر العصور ونظرة الأوروبيين للشرق وللمسلمين التي خصها سعيد بالكثير من الانتقادات، وكانت محصلة ذلك الجهد إعلان برنارد لويس ابتعاده عن الوسط الأكاديمي العربي وإعلانه قول الحقائق عن الحضارة والتاريخ الإسلامي بوضوح ودون مواربة.
ومَن يقوم بالاطلاع على الكتابات والبحوث الغربية القديمة والحديثة التي تتحدث عن الإسلام والعرب ليتتبع التطور الذي طرأ على صورة الإسلام والمسلمين في الذهنية الغربية في الماضي والحاضر.. سيجزم منذ الوهلة الأولى بأنها جميعها كتبت بعد أحداث 11 سبتمبر بالرغم أن تاريخ بعضها يعود لعقود بعيدة مضت وبعضها تحدث عن تلك الصورة منذ حقبة القرون الوسطي، ولذلك من يرجئون تشويه صورة الإسلام والمسلمين ويلقون بأسباب هذا العداء والتهديد والإرهاب الذي يمارس علينا الآن على أحداث 11 سبتمبر فقط ولا يرون في الأمر سوى أحداث 11 سبتمبر .. هم كمن ينظرون إلى نصف الكأس فيقول بعضهم بأن نصف الكأس فارغ، ويقول البعض الآخر بأن نصف الكأس ملآن.. والحقيقة أن كلاهما يقول نصف الحقيقة فقط بصرف النظر بأن المجموعة الأولى تبدو متشائمة.. والمجموعة الأخرى تبدو متفائلة.. ولكن كلاهما قال نصف الحقيقة فقط.. ولأني من أنصار الحقيقة الكاملة أستطيع أن أرى بوضوح نصفي الكأس معاً.. فأقول: إن الكأس نصفه ملآن ونصفه فارغ.
تدل مجموعة من الدراسات أجريت على أشهر وكالات الأنباء الرئيسية في العالم، وهي (رويتر والصحافة الفرنسية وأسيوشيتد برس ويونايتد برس إنترناشونال) على أن وسائل الإعلام الغربي تعطي أهمية كبيرة للعالم الثالث في أوقات الأزمات والنكبات والصراعات، كما أكد ذلك أحد خبراء الإعلام (نآرندر آجار والا) وأعلنه في مؤتمر دولي عن العالم الثالث وحرية الصحافة منذ عام 1977م حيث قال: «إن أكثر أخبار العالم الثالث في الإعلام الغربي ذات سمة سلبية تركز على الصراعات السياسية والعسكرية والكوارث، وهذه التغطية الغربية المشوهة لدول العالم الثالث وشعوبه وقضاياه تسهم بدور كبير في تكوين صور نمطية سيئة لهذه الدول والشعوب في أذهان الأفراد والجماعات وصانعي القرار في المجتمعات الغربية، وتشتد خطورة ذلك عندما ندرك أن وسائل الإعلام الغربي تسيطر على قنوات التدفق الإعلامي في العالم، مما ينتج عنه قدرة هذه الوكالات والوسائل على ترويج هذه الصور النمطية السيئة والعمل على ترسيخها في أذهان الناس في الغرب» هذا إلى جانب الهيمنة الصهيونية على وسائل الإعلام الغربي ولا سيما الأمريكية وجهودها الجبارة والدؤبة والمتواصلة في تشويه صورة العرب والمسلمين ومنذ زمن بعيد.
وكما يقول الأستاذ هشام جعيط في كتاب (أوربا والإسلام): إن الرؤية الغربية الصليبية عن الإسلام والعرب رؤية شعبية مشبعة بالخيالات تعتبر المسلمين وثنيين ورسولهم ساحراً. ويعلق على ذلك (ريتشارد سوذرن) في كتاب (صورة الإسلام في أوروبا في العصور الوسطى): إن المخيلة الأوروبية الغنية الشطاحة التي ابتدعت هذه الصورة للإسلام كانت تمر بحقبة غربية ازدهر فيها هذا النوع من الخيال عن كل شيء، وجاء الشعر الشعبي الأوروبي ليردد الصورة الخيالية المتكونة عن الإسلام جيلاً بعد جيل دون أن يطرأ عليها تعديل ملحوظ..
كما يقول الأستاذ محمد أسد في كتاب (الطريق إلى الإسلام): إن الأذى الذي جلبته الحروب الصليبية لم يقتصر على اصطدام استعملت فيه الأسلحة، بل كان أولاً وقبل كل شيء أذى عقليا نتج عنه تسميم العقل الغربي ضد العالم الإسلامي عن طريق تفسير التعاليم والمثل العليا الإسلامية تفسيراً خاطئا متعمدا لأن إذا كان للدعوة إلى حملة صليبية أن تحتفظ بصحتها فقد كان الواجب والضروري أن يوسم نبي المسلمين بعدو المسيح ويصور دينه بأكلح العبارات. يقول الأستاذ السيد ياسين في كتابه (الشخصية العربية بين صورة الذات ومفهوم الآخر): إن الغرب لم يحاول أن يعرف الإسلام على حقيقته وبذلك لم يستطع أن يبلور صورة حقيقية وواقعية عن الإسلام وعن العرب، ولذلك عاش إلى يومنا هذا يجتر الصورة النمطية السيئة التي رسمها الغربيون عن الإسلام والعرب منذ بداية علاقة الغرب بهم منذ القرون الوسطى، كما أن الغرب لم يكتف بترويج صورة مزيفة عن العرب بل حرص عن طريق فلاسفته وعلمائه الاجتماعيين رسم صورة تفصيلية تركز على قصور العرب وتخلفهم، وذلك ما تبلور في كتابات العديد من الأكاديميين الغربيين أمثال (جورج ديها ميل) عضو الجمعية الفرنسية في كتابه (حضارة فرنسا) الذي تحدث فيه بأن الذهنية الشرقية عاجزة تمام العجز عن التفكير التركيبي وعن تجاوز الذات.. فكون أمتنا هجرتها الملايين من العقول من أبنائها من النخب المهمشة والعقول الفذة إلى الغرب وخاصة من المبدعين والعلماء لأنهم لم يستطيعوا داخل أوطانهم إنجاز شيء من طموحاتهم لعدم إتاحة الإمكانات لتطوير بحوثهم العلمية والتكنولوجية ولم يلقوا الدعم المادي والمعنوي اللازم لذلك، فهذا لا يعني أن ينكر عليهم أحد انتمائهم إلى الأمة العربية والإسلامية، وهذا لا يعني أن نقبل بأن نوصف من الغرب بالضعف والتخلف.
وعلينا أن نطالب الغرب بأن يقدم إحصاءات عن كل ما أخذه ونقله عن الحضارة العربية الإسلامية من علم وفكر، ونطالب أمريكا تحديدا بأن تحصي أعداد ما لديها من عرب ومن مسلمين سواء أعطتهم الجنسية الأمريكية أم لا في وكالة الطاقة النووية وفي ناسا لعلوم الفضاء، ومَن هم من العلماء الفذين داخل مختبراتها، ومن أطباء داخل مستشفياتها، ومن المخترعين ومن الأكاديميين داخل جامعاتها.. لنعرف مدى تخلفنا وعجزنا الفكري والذهني..
كما أطالب أمتي العربية والإسلامية بأ تجيب على سؤال: هل نحن ننتظر معجزة ستسقط علينا من السماء لتغير من حالنا، ولا ندرك بعد بأننا لسنا في زمن المعجزات..؟

( * ) عضو الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
فاكس - 026066701
ص.ب 4584 جدة 21421


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved