من يحب شيئاً ليس كمن يشتهيه.. فأنت قد تشتهي أن تأكل صنفاً معيناً من الطعام وقد تشتهي أن تزور بلداً من البلدان..
وقد تشتهي اشياء كثيرة تمر بعينك في اليوم الواحد، وقد تستطيع الحصول عليها وقد لا تستطيع، فإن لم تستطع الحصول على ما تشتهي فإنك لا تتألم كثيراً وسرعان ما تنسى لأنك وجدت على طريقك أشياء كثيرة تشتهيها فتقدم لك البديل.
اما عندما تحب شيئاً فإن الأمر يختلف.. عندما تحب أن تأكل صنفاً معيناً من الطعام أو تتردد على مكان أو تحب إنساناً فمعنى ذلك انك تجاوزت الاشتهاء إلى ما هو أكبر منه، فأصبحت تصر عليه.
عندما تحب شيئاً معناه انك لا يمكن ان تمل منه حتى لو طلبته كل يوم.. ان تقول انك تحب صنفاً معيناً من الطعام غير ان تقول انك تشتهيه.. قد تشتهيه اليوم ولكنك لا ترغب في تكراره غداً.. قد تشتهيه مرة في السنة أو الشهر أو الأسبوع، لكن عندما تقول انك تحبه فإنك تعلن عن رغبتك فيه وعدم مقدرتك على الاستغناء عنه في أي وقت.
الاشتهاء يكون بالعين ويرتبط بالحواس والحب يكون بالقلب ويرتبط بالمشاعر.
العين لا تعرف الحدود ولا تشبع اشتهاءً ورغبةً في كل ما يمتع البصر ويلذ للجسد.
لكن القلب محدود المساحة يرى بالبصيرة لا بالبصر، اذا ما سكنته مشاعر الحب امتلكته، فيرى ما يحب على خلاف ما يراه الناس، واذا ما حدث هذا فإنك لا يمكن ان تمل ما تحب.
وقد تحب شيئاً غيرك يشتهيه فقط.
والفارق انه يستطيع ان يستغنى عما يشتهي وانت لا تستطيع.. هو يرى له البديل وانت لا ترى.
لهذا فإن أكثر الذين يحبون بعيونهم يحبون كل يوم بل وفي كل ساعة، ولكنهم في حقيقة الأمر لا يحبون، وإنما يشتهون لانهم على استعداد لتغيير رأيهم فيما يحبون اذا ما بلغوا منه مرامهم والافتتان بغيره، وهكذا دواليك.
وهنا تكمن مأساة الاشتهاء في العلاقة بين الرجل والمرأة، إذ سرعان ما ينطفئ ذلك الوهج والتوقد الذي تحدثه لحظات الاعجاب والانبهار.
وهكذا يدب الفتور في الحياة الزوجية التي تقوم على اختيار العين ورغبات الجسد وحدها، فالعين تشتهي لكنها سرعان ما تمل النظر، والحواس تستمتع لكن متعتها سرعان ما تفتر وتهدأ وتنطفئ.
واذا لم تكن هناك مشاعر تملأ القلب فإن بهجة النظر تفقد توهجها وانبهارها، ومتعة الحواس لا تعود إلى اتقادها الأول على الاطلاق وهنا يحدث شرخ عميق.
يليه الانكسار
ثم التهاوي والصدمة
ولو ادرك هؤلاء انهم كانوا يشتهون ولم يدخل الحب قلوبهم لما حدثت لهم تلك الصدمة.
قد يشتهي الرجل المرأة وقد تشتهي المرأة الرجل كما يشتهي أي منهما شيئاً عابراً في حياته سرعان ما يكتشف انه لا يحتاجه إلى الأبد في حياته.
وليس على الاشتهاء تبنى البيوت ومشاريع الحياة الناجحة الطويلة.. ولكن على الحب الذي يواصل عطاء الدفء المضيء والمشاعر السخية حتى بعد انتهاء مرحلة الانبهار والمتعة.
فلا عجب إذن ان نرى ارتفاع نسبة الانهيار المريعة في حالات الزواج التي تتم باشتهاء العيون في زمن لم يعد الناس فيه يميزون بين مشاعر القلب وشهوات الجسد.. في زمن أصبح فيه الحب أزمة.. والاشتهاء مشكلة!
|