أن أكثر ما أثارني ودفعني إلى التفاؤل هو لغة المعلقين على الحوار الوطني الذي يعقد هذه الأيام في مكة المكرمة. لقد بدأت أولى ثمراته تظهر قبل أن تظهر نتائجه أو تتوسع آثاره. لقد اتضح لي أن فكر الغلو الذي كان سائدا في المملكة والذي كان يظن الناس انه يمثل وجهة نظر أغلبية السعوديين ليس إلا فكر أقلية محدودة أتاحت لها الظروف السيطرة على كثير من منابر التعبير. فالذي يتابع ويقرأ ما يطرح من تعليقات وآراء ومداخلات حول المؤتمر سيرى بوضوح أن الناس بدأت تتخلى عن الخطاب السائد ومفرداته التي فرضت على الناس في الفترة السابقة فلم تعد هناك قلة يتكلمون وعلى الباقي أن يصمت وينصت وينفذ.
فمراجعة المناهج الدراسية ليست مطالب دولية بل مطالب الآباء والأمهات الصامتين، ومراجعة الموقف من المرأة ليست غزوا فكريا وإنما هي مطلب إنساني وحضاري. ومناقشة التفرد في الرأي الثقافي ليست خروجاً على الدين وإنما هي من صميم الإسلام وجزء من تعاليمه. وتوجيه الوضع الاقتصادي ليس حكرا على فئة صغيرة وإنما شأن عام مفتوح لكل المتخصصين في الأمر.
كما اتضح أن كل من يتصل بالرأي العام ويوجهه هو ايضاً عرضة للنقد والمساءلة، وليست هناك فئة معصومة من النقد ومتعالية عليه مهما كانت طبيعة تخصصهم العلمي.
سنوات من أحادية التفكير والبث الإعلامي من ميكروفون واحد لا يمكن أن يزول في عدة أشهر لكن ما تحقق خلال الأشهر الأخيرة يدل على أن بلادنا سوف تتجاوز الفكر الأحادي بأسرع مما يظن الكثير. ورغم أن الأمة خسرت الكثير في السنوات الماضية عندما سيطر الفكر الأحادي لكن على المدى الطويل سوف تكون رابحة، فالإنسان لا يمكن أن يتعلم إلا من جيبه. لقد دفعنا الثمن كاملاً إلى حد الدماء. الحوار الوطني الذي بدأ مسيرته هذا العام هو بداية جني الأرباح وبداية النضج.
قرأت في جريدة الوطن أن المتحاورين قرروا أن تكون المرأة أحد محاور اللقاء القادم رغم أهمية هذا المحور وخطورته، أرجو إلا يكون ذلك صحيحا، فالشارع السعودي مع الأسف ما زال مشبعا بخطاب الفكر الأحادي تجاه هذه القضية تحديداً ولا أعتقد أنه يمكن مناقشة قضية المرأة إلا بعد أن تكتمل عناصر الحوار. عندما تنتقل روح الحوار وثقافته من المتحاورين النخبة إلى المنزل السعودي، عندما يسمع الإنسان السعودي العادي وجهة النظر الغائبة عنه في الفترات السابقة كما تم اشباعه على مدى سنوات بأفكار أهل الغلو.على الأقل يؤجل هذ الموضوع سنتين أو ثلاث سنوات وأن يستمر هذا المؤتمر في مناقشة القضايا التأسيسية المتعلقة بفكر الحوار ذاته والاستمرار في جمع أطراف الطيف الثقافي المختلف حتى تتأصل حقيقة التنوع في المجتمع السعودي. يفترض توسيع عدد المشاركات في الحوار. إن مشاركة المرأة في الحوار هي جزء من روح الحوار فهي طرف فيه وليست موضوعاً له بالمعنى الإنساني الواسع لأنها إنسان وليست آلية أو قانوناً أو فكرة. يمكن طرح قضية العادات المرتبطة بالمرأة وليس المرأة ذاتها عندما يأتي الوقت الذي تعني فيه كلمة (المجتمع السعودي) وحدة في الثوابت واختلافاً في التفاصيل. أي اختلافات في التفاصيل المناطقية والمذهبية والعادات والتقاليد تحت مظلة الثوابت الثلاث وهي الإسلام والعروبة والوطنية السعودية.
فاكس 4702164
|