يعد الفخر والاعتزاز بالمكتسبات التي يحققها الإنسان في مختلف مراحل حياته مصدراً من مصادر الرضا عن الذات، وشحذ الهمة لمواصلة السعي نحو إنجاز جديد. نشعر بذلك جميعاً عندما يصر أحد الأطفال - ببراءة - على أن يلفت انتباه أمه وأبيه إلى منتج قام بإنجازه، فنسارع بمدح الطفل والثناء عليه، مع أن هذا المنتج يعد منتجاً بسيطاً في قاموس الكبار، والطفل - بهذا السلوك - يقدم نموذجاً رائعاً، وخالياً من كل شوائب النفس البشرية، لأهمية اعتزاز الناس بمكتسباتهم. كما تُقدِّم ردود فعل الطفل ذاته نحو استجابة أبويه، منهجاً طبيعياً لما يكون عليه البالغون عندما تقدَّر إنجازاتهم ومنتجاتهم، وباعتبار أن العناصر الرئيسية للمجتمع الإنساني ليست إلا مجموعة من الأفراد الكبار والصغار، فإن منجزات المجتمع تخضع للقانون البشري نفسه. فهي منجزات تحتاج إلى مَنْ يفخر ويعتز بها، ليمكن للمجتمع أن يواصل مسيرته نحو العمل البنَّاء والإنتاج الطموح من جديد. وإذا خلا المجتمع من هذا الشعور الفطري في النفس البشرية فقد تغيب عنه قيمة الاهتمام والعناية بالمنجزات وبالتالي يتساوى عند عدد من أفراده وكياناته، العمل مع الركون الى الدعة، والإنتاج مع السلبية، ويخسر المجتمع كمؤسسة كبرى وتخسر كياناته المتعددة ويخسر أفراده كذلك، والنتيجة الفطرية الحتمية هي: غياب النزعة إلى التجديد والمثابرة من أجل مستقبل أفضل.
وتشير الملاحظة المتأنية لاستقراء رحلة المجتمع السعودي - خلال العقود القليلة المنتهية - إلى أن المجتمع قد حقق فعلا إنجازات كبيرة جداً في مجالات تنموية متعددة، وبمقاييس عالمية، ولا تحتاج هذه المنجزات لتأكيد تحققها فقد أصبحت واقعاً بدهياً، ولكن قد يحتاج الأمر إلى التنبه لأهمية الاعتزاز والفخر بها محلياً ودولياً، بمهنية تخصصية، وعدم استنكاف ذلك. نعم، حقق الوطن إنجازات كبيرة. ومن حقه أن يفخر ويسعد بها، ليواصل المسيرة من أجل مكتسبات ومنجزات عملاقة أخرى. غير أن الملاحظة تشير - أيضاً - إلى أن هذا الفخر والاعتزاز مدعاة لمَنْقَصتين: الأولى: ضعف الأسلوب المتبع، حيث يغلب لدى عامة المفتخرين بالوطن، شيء من المبالغة والإنشائية واستخدام الأسلوب الدعائي عوضاً عن المنهج المعرفي المعلوماتي والثانية: هجران وتجاهل بعض الأفراد والكيانات المجتمعية وضعف الانتماء والولاء لمنجزات الوطن. وأحسب أن الصواب وسط بين الأمرين. الفخر والاعتزاز بمنجزاتنا الوطنية مطلب حضاري، ومنهج عالمي يجب أن يُتَّبع، لكن الافتخار والاعتزاز صنعة، وليس مطية يركبها كل مريد. المنجز المتحضر العملاق مكسب جُمع لانجازه بين مركبات حضارية كثيرة جداً، ويجب أن يكون التعبير عن هذا المنجز وِفق رؤية حضارية مدروسة بعناية كبيرة، تُستخدم فيها كل وسائل الاتصال الممكنة داخل المجتمع وخارجه وفق رؤية علمية ومهنية عالية التأهيل، أقل ما فيها أن يوكل الأمر إلى أهله، بناء على تأهيل علمي في جامعاتنا ومؤسساتنا المتعددة لفئة منَّا تتولى مهمة التعبير عن منجزاتنا وترسيخها كقيمة عالية الأهمية في وعي أبناء المجتمع من الكبار والصغار. إن (إنتاج المنتج الحضاري) و(التعبير عنه باقتدار) متلازمتان حضاريتان يجب ترسيخهما في المجتمع، فقد يسهل على مريدي الولوج إلى المحميات المجتمعية، أن يلجوا من باب المنجزات التي تترسخ قيمتها في المجتمع، أو إلى الكيانات المجتمعية التي لم تتشكل وفق ثقافة تعتز وتفخر بمنتجها الوطني.
( * ) عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام
|