في بداية هذه المقالة أود التأكيد على أني لا أسعى لعرض معاناة أعضاء هيئات التدريس السعوديين في الجامعات السعودية، وعدم ملائمة وضعهم المادي والمعنوي لحجم التضحيات التي بذلوها ويبذلونها ولطبيعة عملهم وما يتطلبه، فذاك أمر مفروغ منه ولا يختلف فيها فيه اثنان ووصل الانشغال به إلى قمة الهرم الحكومي.
وإنما أهدف إلى مناقشة مدى الخسارة التي يتكبدها المجتمع - الذي أنفق بلايين الريالات على تأهيل هذه النخبة من أفراده - عندما لا يحسن التعامل معهم أو بالأحرى مع هذه الاستثمارات.
أظن أنه للحصول على أفضل عائد ممكن من هذه الاستثمارات فإنه لا بد من توفير البيئة المناسبة لها، والتي تحقق الاستفادة المثلى منها.
والمعيار في التعرف على طبيعة البيئة التي ينبغي توفيرها لأساتذة الجامعات ليتمكنوا من أداء مهامهم في الجامعات والمجتمع يجب أن يكون معياراً موضوعياً بعيداً عن الاعتبارات والمصالح الشخصية والنظرة الضيقة التي لا ترى في أي تعديل أو تصحيح يتخذ لصالح أعضاء هيئات التدريس وإنما هو لخدمة مصالح هذه الفئة وليس له عائد على المجتمع ككل.
وربما يكون من المناسب - حتى نصل إلى نتائج موضوعية - أن نوازن بين البيئة الموفرة لأساتذة الجامعات في الدول المتقدمة وفي مجتمعنا، واختيار الدول المتقدمة مبني على كونها هي التي تقدر دور هذه الفئة في المجتمع، وتدرك حجم الخسارة التي يمكن أن تنجم فيما لو لم يحسن التعامل معها.
وفي جانب آخر فإن الموازنة بين وضع أساتذة الجامعات وأوضاع فئات أخرى تختلف عنهم في طبيعة التأهيل والمهام غير منطقية.
والبيئة التي يجب توفيرها لأعضاء هيئة التدريس حتى يكونوا قادرين على قيادة المجتمع في مجالات العلم والثقافة وآخذين بيده في مسيرته التنموية تشمل عائداً مادياً يتناسب ومقدار تكلفة الفرصة البديلة التي يتكبدها أستاذ الجامعة عندما يقرر البقاء داخل أسوارها والتضحية بكل البدائل الأخرى الكثيرة والمغرية. وهذا يعني التوصل إلى تقدير لأفضل عائد وليس مجرد راتب يمكن أن يحصل عليه أستاذ الجامعة فيما لو عمل خارجها ومن ثم تقدير العائد الذي يستحقه بناء على هذا الأساس وبدون هذا فلن تحل المشكلة. ولا يعد حلاً لها اقتراح زيادة نسبتها 50% من الراتب الحالي على سبيل المثال إن لم يحقق الشرط الأول. إضافة إلى ذلك يجب توفير السكن الملائم، وضمان صحي مناسب، وضمان الوصول إلى المراجع وقواعد البيانات والمعلومات في مجال التخصص، وتسهيل المشاركة المستمرة في الندوات والمؤتمرات الداخلية والخارجية، وتوافر دعم لا محدود لعملية البحث العلمي، وتوفير الطاقم الإداري المؤهل تأهيلاً يتناسب والعمل في المؤسسات الأكاديمية مع أستاذ الجامعة.
وبهذه المناسبة أصبح أعضاء هيئة التدريس في بعض الجامعات السعودية يقومون بأعمال السكرتارية والتحرير والنسخ وتسيير أعمال الاختبارات ومن العوامل الداعمة لبيئة العمل المناسبة لأعضاء هيئة التدريس بالجامعة تحقيق المساواة بينهم، فلا يعقل أن تنضوي الجامعات تحت مظلة جهاز حكومي واحد، ويصل الفرق بين ما يتقاضاه المتماثلون في التأهيل والرتب العلمية إلى 50% من الراتب وذلك بسبب قصور في فهم النظام واللوائح لدى البعض.
كما يعد توفير حوافز مادية ومعنوية للمبدعين من أساتذة الجامعات أمراً مهماً في تركيبة بيئة العمل الخاصة بهم.
|