* واشنطن - مارتن هاتشنسون- يو.بي.أي:
يؤدي التأمل فيما قد تكونه أحوال اقتصاد العالم في السنة المقبلة، إلى القول بقرب نهاية الانتعاش النسبي الذي شهده الاقتصاد الأمريكي في العام 2003.
وثمة عشرة اسباب ستهز الاقتصاد الامريكي. وسنستعرضها من الاقل إلى الأكثر اهمية.
اولاً: الامراض المعدية، أدت موجة مرض «سارس» إلى إبطاء الاقتصاديات الآسيوية خلال النصف الأول من العام 2003م، ولأن دائرة المرض تمددت على رقعة جغرافية واسعة خلال موجته الوبائية الاولى، فمن المحتمل ان ينفجر مجدداً في موجة اشد خلال السنة المقبلة، وبما يشبه انتشار الانفلونزا الأسبانية بين عامي 1918-1919.
ولا يزال الايدز عبئاً اقتصادياً ضخماً في دول ما تحت الحزام الصحراوي في افريقيا، ومن الممكن أن ينتقل إلى الهند والصين.
ثانياً: الارهاب، وهو مشكلة تتفاقم باستمرار، ويشكل إلقاء القبض على صدام حسين حدثا قليل الأهمية في الحرب على الارهاب، ولا يزال احتمال شن هجمات ارهابية خارج العراق أمرا ماثلاً باستمرار، ومن دون شك، أدت الحملة على تنظيم القاعدة خلال السنوات الثلاث الماضية، إلى توقف الهجمات الارهابية الكبرى.
وفي المقابل، يسود اعتقاد أن الارهاب ربما يضرب في أي لحظة، وربما باستخدام مواد بيولوجية او مشعة، داخل الولايات المتحدة، او اوروبا، او اليابان؛ مما قد يولد آثاراً نفسية سلبية عميقة وواسعة.
ثالثاً: الأزمات المصرفية، من المحتمل أن تتعرض الصين، وكذلك أمريكا او اليابان إلى أزمة بنكية في القروض او في قطاع العقارات، ولعل اليابان هي الاقل عرضة للاهتزاز، لان نظامها المصرفي آخذ بالتماسك المستمر.
وتبدو الصين الأكثر هشاشة لأن رؤوس الأموال المحلية لا تزال حبيسة نظام مصرفي تسيطر عليه الدولة وتملكه وتفرض على معاملاته قيوداً مشددة.
وقد ارتفع حجم الدين الداخلي في الصين خلال العام 2003م ليصل إلى 36بالمئة من اجمالي الناتج الوطني العام، وهو الرقم الذي كان في دول مثل تايلاند وكوريا الجنوبية قبل أن ينهار النظام المصرفي فيهما.
رابعاً: البطالة، رغم ضعف قدرة الاقتصاد الأمريكي على خلق وظائف جديدة، إلا أنه نجح في الحفاظ على معدلات بطالة منخفضةَ، واقل من المعدلات التي ترافق الركود الاقتصادي.
وعانى الاقتصاد نفسه من ضعف إنفاق الجمهور، الذي تجسد بانخفاض مبيعات التجزئة، خلال العام المنصرم.
ومن المتوقع ان يتحسن هذا المؤشر خلال العام المقبل.
وفي المقابل، ظلت معدلات البطالة مرتفعة في فرنسا والمانيا وغيرهما من الدول الاوروبية في منطقة اليورو.
وهي أعلى من نظيرتها في امريكا.
ومن المتوقع أن يؤدي الاستمرار في سياسة اليورو القوي إلى مفاقمة معدل البطالة.
خامساً: ديون جمهور المستهلكين، وتسجل تلك الديون راهناً أعلى معدلاتها التاريخية في بريطانيا وأمريكا، حتى من دون اضافة القروض المخصصة لرهونات المنازل.
ويصعب خفض معدلات الفائدة البنكية في امريكا، لانها في ادنى مستوياتها الممكنة، ولذا، فمن المحتمل تفاقم الدين الاستهلاكي، حتى لو استمر الاقتصاد الامريكي بالانتعاش.
سادساً: أسعار المواد الاولية، ارتفع سعر الذهب سنة 2003م إلى 410 دولارللأونصة الواحدة، أي بزيادة مقدارها خمسون بالمئة عن العام 2000.
وحافظت أسعار البترول على مستواها، على الرغم من التوقعات بخفضها بأثر من الحرب في العراق، وظلت على مستوى 33 دولاراً للبرميل، رغم العودة إلى ضخ النفط من العراق وفنزويلا.
ولا تزال أسعار الشحن مرتفعة، فقد وصل مؤشر «بالتيك دراي»، الذي يقيس أسعار الشحن البحري باعتباره الوسيلة الرئيسية لنقل البضائع في العالم، مرتفعاً بنسبة 170 بالمئة عن العام السابق، وتعني هذه الأرقام أن التضخم يمثل خطراً داهماً.
ومن المحتمل ان يؤدي التضخم إلى تباطؤ في اقتصاديات البلدان الصناعية الكبرى، لانه يخفض من قدرتها على جني الارباح. إذا، ثمة احتمال أن يدخل الاقتصاد في وضع يتمازج فيه التضخم مع الركود، اي ما يسمى «ستاغفلايشين»، وقد شهدت أمريكا هذا الامر في ختام حقبة الرئيس جيمي كارتر.
سابعاً: الإنفاق الحكومي، نما الانفاق الحكومي بأسرع من نمو الناتج القومي الخام، في معظم الدول الصناعية، وعدد من الدول الصاعدة مثل الصين وأمريكا اللاتينية.
وفي الولايات المتحدة، يُتوقَع ان يفوق عجز الموازنة في شهر سبتمبر من العام 2004 مبلغ 500 مليار دولار؛ بأثر من زيادة الانفاق، وليس بسبب خفض الضرائب.
وتجاوزت المانيا وفرنسا حد الثلاثة بالمئة التي تُلزمها به معاهدة الاستقرار، التي وضعها اختصاصيو الاتحاد الأوروبي.
وتبدو تلك المعاهدة ممزقة تماماً، ففي بريطانيا، تجاوز عجز الميزانية الحدود المتوقعة بعشرة ملايين جنيه استرليني، مما استوجب نقداً من «صندوق النقد الدولي».
ولا تعترف الصين بأي مشكلة في الميزانية، لكنها تداوي العجز من النظام المصرفي الذي تملكه وتديره.
ويترك الانفاق الحكومي اثرين رئيسيين على الاقتصاد. فمن ناحية يخفض الانفاق التضخم، لانه يدفع إلى استعمال الاموال بالطرق الاشد كفاية.
ومن ناحية ثانية، يفاقم الانفاق العجز في الموازنة، ويرفع معدلات الفائدة، ويخفض السيولة المالية اللازمة للاستثمار.
ثامناً: معدلات الفائدة، استمرت معدلات الفائدة القصيرة الاجل منخفضة، وفي مستوى سلبي عملياً، خلال السنتين الاخيرتين.
وفي الوقت نفسه، زادت السيولة المالية بنسبة عشرة بالمئة سنوياً، وادى ذلك إلى ازدهار قطاع المنازل، سواء بالنسبة إلى اسعار المنازل او قروض رهوناتها.
وانسحبت الأموال من قطاع الاسهم والسندات، لتصب في خانة الاستهلاك، وشهدت بريطانيا أمراً مماثلاً.
وتتميز اليابان عادة بمعدلات عالية من التوفير، ولكن تلك الاموال تقلصت لتصل إلى مستوى نظيراتها في الولايات المتحدة.
ويساهم هذا العنصر في زيادة التضخم، وسيؤدي إلى عودة معدلات الفائدة إلى الارتفاع تدريجياً ، وخصوصاً إلى انخفاض في قيمة المنازل، مما سيفاقم من التباطؤ الاقتصادي.
تاسعاً: تعاني الولايات المتحدة راهناً من عجز تجاري قيمته 500 مليار دولار وهو الاعلى تاريخياً منذ اواسط القرن التاسع عشر، وأدى إلى انخفاض مستمر في قيمة الدولار حيال اليورو، وصولاً إلى ثمانين سنتاً اوروبياً للدولار الواحد.
ومن المتوقع أن يستمر الدولار في الانخفاض، وأدى الانخفاض إلى اعتماد الولايات المتحدة على بضعة بنوك مركزية في آسيا، بفضل شرائها للأسهم الخزينة والدولار.
عاشراً: اسواق الاسهم ولقد ارتفعت بمعدل 25 بالمئة امريكياً في العام2003. وارتفعت الأسواق الاوروبية واليابانية بمعدل مماثل وحدث امر مشابه في بعض الدول الآسيوية، مثل الهند التي ارتفعت اسواق الأسهم فيها بمعدل 85 بالمئة.
ويسود انطباع بأن القيمة الراهنة لاسواق الأسهم الامريكية مبالغ فيها، وانها تعيش حال «زهرية» من التفاؤل المبالغ فيه ايضاً، واظهر تقييم اقتصادي شامل في الولايات المتحدة، أن 47 بالمئة من الامريكيين يعتقدون أن الاقتصاد سيتحسن في العام 2004.
وكان المعدل نفسه 21 بالمئة في العام 1999م، وغني عن القول التذكير أن المعدل المبالغ فيه من التفاؤل هو ما يسبق العواصف الاقتصادية العاتية.
|