تبدو كتابة السيرة الذاتية في العالم العربي مهمة صعبة وشاقة خاصة عندما يكون كاتب السيرة الذاتية من الأسماء اللامعة في المجتمع، لذا فإن الطريق الأسهل لنوع من مثل هذه الكتابة هو كتابتها في قالب روائي تحت أسماء مستعارة كما فعل تركي الحمد في ثلاثيته «أطياف الأزقة المهجورة»، وكما فعل من قبله غازي القصيبي بدأها برواية «شقة الحرية» وآخرها عمله الروائي الأخير «سعادة السفير»، بل إن غازي القصيبي نفسه عندما كتب سيرته الإدارية في كتابه «حياة في الإدارة» تعمد أن يشير إلى أن أجزاء من سيرته الإدارية تبدو ناقصة لأن هناك أشياء لا يستطيع البوح بها الآن لصعوبتها وحرجها وارتباطها بأشخاص أحياء آخرين قد تمسهم الحكاية بما لا يودن نشرة أمام الملأ.
في الجانب الآخر الفضائحي يلجأ الكاتب إلى كتابة سيرته الذاتية بكل تجلياتها وبلا رتوش أو مساحيق تجميل كما فعل الروائي محمد شكري وهي سيرة قد تصدم القارئ لما فيها من البؤس والشقاء وبما فيها أيضاً من الفحش والبذاءة!
أما أغرب ما قرأت في كتابة السيرة الذاتية ما كتبه في مجلدين ضخمين الفيلسوف عبدالرحمن بدوي فهي وان بدت سيرة قال فيها كل شيء عن حياته إلا أنها في نظر قارئ بسيط مثلي بدت أنها سيرة لتمجيد الشخصية وإضفاء طابع البطولة عليها، وإن كنت أرى أن هذا من أبسط حقوقه كعلم بارز في الثقافة العربية حتى وإن اختلفنا مع بعض ما يطرحه إلا أن سيرته الذاتية تم استغلالها لتشويه صورة كل الأشخاص الذين لم يتفق معهم في آرائهم أو أطروحاتهم حتى ليبدو لقارئ السيرة أنهم تافهون مقارنة بكاتب السيرة وعظمته حتى وإن كانت هذه الأسماء على وزن العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم.. إلخ تلك الأسماء.
لست من الذين يمجدون الأسماء ولكن انكار عطاء هذه الأسماء وتهميشها في هذه السيرة يبدو عملاً غير مفهوم أو مقبول، حتى من باب الاختلاف لأن الانصاف يتطلب ابراز الأخطاء والانجازات، أما التركيز على الأخطاء فقط وتضخيمها بحيث تبدو الأشخاص تافهة وحقيرة فهذا غير مقبول على الأقل من الناحية الأخلاقية ناهيك عن الأمانة العلمية!
في هذا المجال أتذكر أنني قرأت كتباً كثيرة عن حياة الرئيس المصري الراحل أنور السادات وخاصة ما حدث في كامب ديفيد فوجدت أن كثيراً من هذه الكتب جاءت لتروي على ألسنة أصحابها كثيراً من الأكاذيب والقليل من الصدق حتى ما جاء في كتاب زوجة الراحل جيهان السادات التي أرادات تقديم صورة زوجها بزعيم السلام ولكنها بالغت في وصفه بالشكل الذي جعل قارئ السيرة يكذبها في كل ما قالت، إلا أن أجمل ما قرأت عن حياة أنور السادات هو ما كتبه وزير خارجيته محمد إبراهيم كامل رحمه الله الذي رفض اتفاقية كامب ديفيد وقدَّم استقالة حتى لا يقع في ورطة التوقيع على اتفاقية لم يكن مقتنعاً بها، في هذه السيرة قدَّم محمد إبراهيم كامل شخصية الزعيم المصري بكل بساطة، أبرز الجانب الانساني فيه وانجازاته كقائد دولة بالاضافة إلى نقده في كثير من الأخطاء التي ارتكبها قبل وأثناء اتفاقية كامب ديفيد.
هل هذا النموذج المثالي في كتابة السيرة؟ بالطبع لا، ولكنها أفضل بكثير من كثير من الكذب الذي نقرؤه في كثير من السير الذاتية، التي يفترض ان نقرأها في أحلامنا لا في صحونا!
قبل أن تندم بقراءة كتاب.. جهز نفسك إلى أن كثيراً مما يقال ليس حقيقة، وقليل من الحقيقة التي تقال نصفها كذب؟!
|