وهذه السنة الميلادية (2003م) تلملم ثيابها، وهي في المجمل ثياب رثة، بل إنها تشبه ثياب الطاعون، فإننا عندما نتأمل المشهد العربي برمته، لا نجد فيه - للأسف - ما يدعو إلى التفاؤل، إلا إذا كان دخول القوات الأمريكية، إلى أرض العراق، يدعو إلى ذلك، لكن لأن الجود من الموجود، فقد فرحت، لسقوط صدام حسين، فرحت لأهل العراق، أولاً وأخيراً، الذين لم يجدوا، من يبكي عليهم، عندما كان صدام، يبخهم بالكيماوي، ويقطع آذانهم، ويرمي أجسادهم، في ماء الأسيد، ويترصدهم في كل مكان، وكأنهم من الكلاب الشاردة، وفوق ذلك كله، فلقد شهدت العراق، في عهده غير الميمون، أكبر هجرة للعقول العراقية، إلى كل مكان، في الشرق والغرب، كل ذلك، يجعلني أفرح لأهل العراق، فهم لا يستحقون، ما أعطاهم صدام، من الظلم، والقهر، والتهجير.. والتخلف!
لكن لأننا أمة ترفع شعار «اضرب، ضربك شرف.. يافندينا!» فإن الكثير من كذابي الزفة، بدلاً من أن يفرحوا، لسقوط نظام صدام، نراهم يتباكون على رحيله، بل إن بعضهم يطالب علناً، عبر وسائل إعلامه، بعودة صدام، وهناك من يقول، إن المرأة كانت تحلف -والعياذ بالله- ليس بحياة صدام فقط، ولكن.. بشنبه! وقد رأينا كيف أن مجنداً أمريكياً، كان يقوم، وهو في غاية الاطمئنان، بنتف شنب، ولحية، صدام، وفوق البيعة، تقليب فكيه، وشعر رأسه، بحثاً عن القمل، والقاذورات، وفي يده «جونتي» خوفاً من التلوث، كل ذلك، كان يتم والسبع - كما تصفه ابنته - في غاية الذل والخنوع!
الأمة العربية هي الوحيدة، التي لا يمكن، أن تتفق على شيء، وليت كلاً منا، يحترم خصوصية الآخر، إذا لم يتفق معه على سياسته أو منطلقاته، لكننا نجد الجرأة، لفرض ما نراه، على غيرنا، من الأهل والجيران، فقد طبلنا وغضضنا الطرف، عن سوءات النظام العراقي السابق، وعندما كان مهدداً، من القوى الخارجية وفي طريقه لإغراق بلده في طوفان، من الفوضى السياسية والاقتصادية، لم تجرؤ دولة واحدة، على تقديم النصيحة، والدولة الوحيدة، التي قدمت هذه النصيحة، نالها ما نالها، حتى وقعت الفأس في الرأس، وبدأت البوارج الأمريكية تدك حصون بغداد، وبدأ جبابرة النظام السابق يتقافزون، من مخبأ إلى مخبأ، في مشهد لم نر له مثيلاً حتى الآن، وكان من الممكن تجنب كل ذلك، لكننا أمة لم يسبق لها، أن تعلمت من دروس التاريخ، إلا قليلاً، فلم نتعلم من اليابان وألمانيا وغيرهما من الدول شيئاً!.
لقد أصررنا على إن الإنسان يحيا بالرشاش والقنبلة، أكثر مما يحيا بالخبز، والحرية، والكرامة، ونسينا في غمرة تخبطنا، أن المال والعلم الآن، هما مفتاح الدخول إلى العالم، ووسيلة من وسائل القوة والهيمنة، لو أحسنا استخدامهما، ولو ألقينا نظرة بسيطة، لوجدنا العديد من الدول، التي فضَّلت التنمية الاقتصادية، على التنمية الحربية، تعيش في بحبوحة، من العيش والاستقرار والتقدم العلمي، لم تصل إليها ولا دولة عربية واحدة، ونظرة واحدة إلى، اليابان وألمانيا وسنغافورة وماليزيا وكوريا الجنوبية.. تكفي!
وأبقى مع الخيبات التي لم تقف، عند صدام حسين وعصابته العابرة للقارات، ولكنها ولدت، ما عرف بالخلايا الأصولية النائمة، هذه الخلايا، مثلها مثل صدام حسين، تريد تشكيل، وقيادة الكون على هواها، وقد بدأت قيادة الناس، إلى هذا الهوى الهمجي، من خلال التفجيرات، التي لم تعد تفرق بين البشر والحجر، فروّعت الآمنين، وهدمت الدور على ساكنيها، ولم تفرق، ليس بين البشر والحجر فقط، ولكنها أيضاً تخبط خبط عشواء، فالمسلمون، الذين تسعى لإنقاذهم، من مادية هذا العصر، لم ينجوا من قنابلها، وسياراتها المفخخة، ومع هذه الأسلحة الفتاكة، هناك أسلحة أكثر فتكاً، مازالت ترسل، نيرانها وسمومها، من خلال شبكة الإنترنت!.
لا وقت لدى هؤلاء، لتجربة الاعتدال والسماحة والرفق، وقتهم كله مكرس، لإخضاع العالم، لأفكارهم ورؤاهم، ماجعل دول هذا العالم، كبيرها وصغيرها، تتوجس من كل ما يمت للإسلام بصلة، وبعد أن كانت الدولة الأجنبية تعطي المجال للجاليات الإسلامية، لبناء المراكز، والمساجد، والمدارس وارتداء ما يروق لهم من اللباس، أصبحت هذه الدول، تحصي على المسلم أنفاسه، وهكذا مع كل يوم جديد، يخسر الإسلام بفعل هؤلاء موقعاً جديداً!
إنه عام كبيس، لكن الضوء لا يعدم، حتى وسط الأنفاق... المظلمة!!
فاكس: 4533173
|