تحقيق : صالح البدر
حينما ينخرط الشباب في المعاهد والمدارس والكليات التقنية والصناعية والتجارية والمهنية تدغدغ أحلامهم الآمال بمستقبل يرضي طموحهم للعيش بمرتب كريم يسد احتياجاتهم الضرورية ويعفي ذويهم من بعض متطلباتهم، وليكون ذلك خطوة أولى في طريق مسيرتكم الوظيفية، إلا أنهم بعد التدريب والتأهيل يتنقلون بشهادتهم بين القطاعين الحكومي والخاص ويرجعون خائبين إذ لا يجدون إلا الصدود بأساليب تعجيزية منها المحزن المضحك خاصة وأنهم يواجهون شركات ومؤسسات القطاع الخاص الوطني تزدحم بوافدين ليسوا بأحسن منهم خبرة.
شروط تعجيزية
* الشاب سلطان بن عبدالرحمن آل حمود الدوسري خريج الكلية التقنية لعام 1422هـ تخصص محاسبة بالحاسب الآلي علق بالقول:
يتهموننا بالكسل واللا مبالاة.. «وهل تمت التجربة؟؟ نعم نحن سعوديون مؤهلون ومدربون وموجهون من قيادتنا المتمسكة بشريعة الإسلام التي تأمر بطاعة الله ورسوله وولادة الأمر هذه القيادة الحكيمة التي تولي اهتمامها من أجل الرقي بالمستوى العام للشباب السعودي فجاءت اللوائح والأنظمة والقواعد الأساسية في شغل الوظائف بشباب سعودي مؤهل إلا أن الشاب أدخل بفرضية القبول بأقل المستويات وظيفياً وأندرها ميزات وأمرنا الوحيد هو البحث عن لقمة العيش.
فلن أتحدث عن غيري لأنني، وقعت في فخ المعاناة والاحباطات منذ تاريخ تخرجي.. اتجهت إلى وزارة الخدمة المدنية بمؤهلي التقني فلم أجد له القبول، بل الرفض وتقدمت بالشهادة الثانوية وعلى المرتبة الثالثة... لكن الحظ كان مني بعيداً وبعد أن فقدت الأمل في الوظيفة الحكومية اتجهت إلى القطاع الخاص ما بين أرامكو السعودية، وسابك وشركة الكهرباء والاتصالات السعودية وغيرها من القطاع الخاص فأجد أمامي شروطاً تعجيزية منفرة.. لن أحجب ما تقوله تلك الشروط - خبرة تمتد لأكثر من خمس سنوات - وشهادة من العمل السابق - فكيف لمثلي من الشباب أن يجد أو يحقق تلك الشروط ولم يمض على تخرجه عام واحد أو عامان.. واختم حديثي برسالة عاجلة لمن يهمه الأمر - نريد حلاً يا من تنادون بالسعودة لقد فقدنا المستقبل وخيم علينا الإحباط.
تخصصات مهملة
* الشاب وليد بن خالد الحميدان خريج المعهد الثانوي الصناعي لعام 1423هـ تخصص لحام، تحدث عن معاناته في البحث عن العمل بقوله: كنا نحلم ونحن على مقاعد الدراسة بأن ننزل بعد التخرج ونجد ميادين العمل مفتوحة الأبواب ترحب بخبراتنا وطموحاتنا وأن نعمل في مجال تخصصنا كما حصل آنفاً لزملائنا الذين سبقونا حيث كانوا يدرسون في هذا المعهد، فمنهم من كان على ملاك سابك أو شركة الكهرباء أو شركة أرامكو السعودية، وبعد التخرج تمت رعايتهم من قبل تلك الشركات وتم ابتعاثهم إلى الصين وأمريكا وهولندا وعادوا كل يعمل في مجال تخصصه.. ولكن نحن خابت آمالنا وإذا حصل أحدنا على عمل في القطاع الخاص فإنه مجبر أن يعمل في مجال غير تخصصه والأمثلة كثيرة. كم من متخصص فني صيانة تكييف وتبريد يعمل في مكتب الحجز في الخطوط السعودية وكم من متخصص في صيانة السيارات ويعمل في شركة الاتصالات وفي الإدارة المالية، وكم من متخصص في صيانة الإلكترونيات ويعمل في محل بيع الخضار والفواكه. وغير ذلك من الأمثلة هذه النخبة من الشباب المؤهل تقنياً متهم بالكسل والعزوف ورغم أن ما يحصل عليه من راتب لا يؤمن له مستقبلا - زوجة تطلب موضة العصر وأبناء يرغبون في السياحة والترفيه وأعني نفسي شخصياً عملت في شركة في الجبيل بعيداً عن أمي وأبي براتب شهري ألف وستمائة ريال 1600 أدفع منها للإيجار السكني شهرياً تسعمائة ريال 900، ورغم أنني صابر لعل الأحوال تتعدل لكن كلما فكرت في مستقبلي القادم وظروف الحياة زادتني احباطاً فماذا أفعل غداً إذا ما تزوجت؟
وطنية بالوافدين
* الشاب زيد سعد السعيد خريج الثانوية علمي 1422هـ قال: منذ أن تخرجت وكأنني ريشة تتقاذفها الريح أبحث عن الدراسة بين الجامعات ومعهد الإدارة والكليات التقنية لكن ذنبي أن نسبة ما حصلت عليه 76% فلم أجد لي مقعداً وطرقت أبواب الوظيفة في كل من الأحساء والدمام والرياض وجدة حتى أنني عملت بوظيفة رجل أمن في محل تجاري براتب تسعمائة ريال 900، ولمدة 12 ساعة ليلياً أدفع من هذا الراتب الشهري مبلغ أربعمائة ريال للسكن وتقدمت لعدة شركات - أرامكو السعودية، والاتصالات، وسابك إلا أن النتيجة تأتي عكسية وإذا سمعت أن هناك شركة وطنية أعلنت عن وظائف شاغرة دون تحديد الشروط حملت مؤهلاتي وذهبت والغريب أن هذه الشركة التي تحمل اسم وطنية جميع موظفيها من العمالة الوافدة حتى مدير إدارتها وحين قابلته وضع لي خبرة عشر سنوات شرطاً في مجال المحاسبة.. فسألت المدير لماذا لم تحددوا شروطكم في الإعلان؟ قال وبالحرف الواحد.. هل أنت وصي علينا؟ فماذا نعمل، وأين نستقر يا رجال الأعمال يا آباءنا؟
ستون سؤالاً وثلاث لغات
الشاب عبدالرحمن بن يوسف بوجليع ثانوية علمي 1423هـ يقول بعد التخرج حاولت أن أشغل فراغ الإجازة فعملت في كبينة هاتف براتب شهري ألف ريال وقبل نهاية الشهر حدث أن حضر راغب في الاتصال وكان الوقت متأخراً من الليل وتحدث فعلاً ولمدة تزيد على الساعة وفي أثناء انشغالي مع مجموعة من المتصلين هرب ذلك الشخص دون أن يدفع ريالاً واحداً رغم أن المحادثة كانت دولية وقدرت المكالمة بحوالي ثلاثمائة ريال وانتهت باختلاسها وتم حسمها من راتبي.. وتقدمت لجميع الكليات والجامعات بشتى أنواعها حيث ان نسبة تقديري 89% لكن هناك عقبات اختبارات القبول والقدرات التي لا تتناسب وقدراتنا وطرقت أبواب الوظيفة ورغم أنني من الرياض إلا أنني أتنقل في أطراف المملكة سواء في التحلية أو في سابك وحتى أرامكو السعودية وغيرها ورغم قبولي في أرامكو مبدئياً لكن تقدمت لاختيار القدرات فكانت الأسئلة ستين سؤالا ومدة الإجابة خمس دقائق.. وتقدمت أيضاً لشركة بعد أن قرأت اعلاناً لها في الصحف لكن عندما حضرت وسألت عن المطلوب مني قال مسؤول العلاقات لا شيء سوى إجادة ثلاث لغات - العربية والانجليزية والفرنسية وإذا كانت هناك لغة رابعة فزيادة الخير خير - جميع هذه اللغات على وظيفة سكرتارية ان ذنبي كما قال ذلك المسؤول إنني لا أمتلك العلاقات الاجتماعية أي بمعنى واضح الواسطة أو ما تسمى فيتامين واو.
رسالة إلى رجال الأعمال:
الشاب ماهر فهد المطير خريج الكلية التقنية تخصص محاسبة له ثلاث سنوات من بعد التخرج يقول علمت عن وظائف شاعرة في إدارة التعليم بالأحساء وتقدمت إليها كان هذا بعد التخرج مباشرة وتركت ملفي عندهم وبدأت أبحث هنا وهناك في جميع القطاعات ورغم الاتهامات التي نجنيها نحن الشباب أننا نتسكع ونسهر الليالي وننام بالنهار ولكن ما ذنبنا وإلى أي اتجاه ينقذنا حتى أننا نخجل من آبائنا وأمهاتنا رغم أنهم يعانون ما نعاني من ضغوط الحياة واحباطات لا يعلمها إلا الله وإليكم يا أحبتي يا من تنادون بالسعودة ما حدث لي شخصياً، سبق أن ذكرت أنني تقدمت لإدارة التعليم على وظيفة مدخل بيانات، وجاءني اتصال هاتف لأن أحضر لإدارة التعليم ولبيت الطلب فقيل لي: لك إحدى الوظيفتين «مراسل أي ساعي بريد أو مستخدم» وطلب مني تقديم المقابلة أي الاختبار.. ورغم ذلك قبلت لأنني واثق أن شهادتي الفنية التقنية هي خاصة للبرواز فقط.. أليست هذه صدمة للشاب الطموح؟ ولكن - لا حول ولا قوة إلا بالله.
* الشاب ابراهيم عبدالله البخيت خريج الثانوية الصناعية تخصص ميكانيكا عامة عام 1422هـ نختم حديثنا وحوارنا معه برسالة خاصة يقدمها لرجال الأعمال في هذا الوطن فيقول:
هذه رسالة شاب سعودي الاحباطات والفراغ وغموض الهدف ثلاثة رؤوس لافعى واحدة تلتف حول جسد الشباب فهل أنتم راضون عن أبنائكم؟
إن العمالة الوافدة بشقيها النظامي والمخالف تمثل فيروسا خطيرا يهدد اقتصادنا ويطمس هويتنا ويمتص خيراتنا ولا يمكن مواجهة هذا الخطر إلا بوطنية صادقة.. فبعض رجال الأعمال للأسف من أبناء الوطن يخالفون التعليمات ويسيرون في عكس اتجاه خطط التنمية بتسترهم على بعض المخالفين والاكثار من استقدام العمالة.. فمتى يأتي اليوم الذي نستغني فيه عن العمالة نهائياً ونساهم في بناء وطننا بسواعد وطنية ؟
|