كيفَ تنْهدُّ شامخاتُ الجبالِ!
كيفَ تَهْوي «البدورُ» عند الكمالِ!
كيفَ يطْوي صحائفَ المجد قبرٌ
يَسَعُ المجْدَ كلَّه والمعالي!
كيفَ تبدو كوالبُ الدّهرِ في
موتِ كريمٍ وَهُنَّ غيرُ بوالي!
كيف تنْهلُّ أدْمعي «لأبي» جمْراً
وفي قطْرها كمثْلِ النّصالِ
بكت الأرضُ والمعالي عليه
من تقيٍّ وصالحٍ مفْضَالِ
وبكتْهُ محاسنُ الدّهر طُرّاً
وبكتْه أيّامُه والليالي
وبكتْه للمكرمات عيونٌ
بدموع كَأنّهُنَّ اللآلى
في حنايا الفؤاد ألفُ سؤالٍ
وجوابُ السّؤالِ ألفُ سؤالِ
ويقيني بالله ما غيّرته
عادياتُ الزّمان في كلّ حالِ
كم تذكرتُ من «أبي» ما غُذِيْنَا
صفْوه من يمينه والشّمالِ
يوم كنا كواكباً في سَمَاه
ونخيلاً في أرضه وعوالي
وربينا في عزّه كنجومٍ
بين كفّيْه آذنتْ باشتعالِ
وارتحلْنا للمكرمات رجالاً
وهو كالطّود شامخاً في الأعالي
سَاسَنا إخوةً بحكمةِ قاضٍ
كان عدلاً في حزْمه والدّلالِ
يغرسُ الحُبَّ والفضيلةَ فينا
والعُلا باستقامةٍ واعتدالِ
هو - والله للرُّجولة معنىً
صاغَهُ للرّجال والأطفالِ
كم له سجدةٌ بجُنْحِ ظلامٍ
وقيامٍ على الليّالي الطّوالِ
يا «أبي» كُنتَ في الزّمان ربيعاً
قد حللنا في دوحه والظّلالِ
يا «أبي» كُنْتَ في اللّيالي ضياءً
من ظلامٍ وشافياً من ضَلاَلِ
يا «أبي» كُنْتَ صفحةً للمعالي
يا «أبي» كُنْتَ مصنعَاً للرّجالِ
يا «أبي» كُنْتَ روضةً لليتامى
يا «أبي» كُنْتَ منبَعَاً للنّوالِ
قَرَؤواْ فيك ساطعاتِ المعاني
ورأوْا فيك مكرُمات الخصالِ
وقفوا كلّهم أمَامَك إكباراً
وهمْ في مهابةٍ وجَلاَلِ
ومَشَوْا مرّتين خلْفَكَ يومَ المَوْت
يا سيّدي ويومَ النّضالِ
حَمَلُوا نعشَكَ العظيمَ وفيهِ مثلُ
«رَضْوَى» من عزّةٍ وفعالِ
وَأَهَالُوا التّرابَ فَوْقَكَ فاعْجبْ
لسماءٍ تُطْوى بحثْوِ الرّمالِ
وَقَفُوا في جوَار «قبرك» إجلالاً
حَيَاَرى في لَوعةٍ وابتهالِ
ينطِقُونَ اسمَكَ العزيزَ فَأَثْنَتْ
ألسنُ الحالِ لا لسانُ المقالِ
يالقلْبي هوّنْ، ويالفؤَادي
ضقْتَ ذرْعاً بدمْعي الهطَّالِ
نحنُ موْتى، وساعةُ الموتِ عيْشُ
لحياةٍ ويقظةٍ من زوالِ
وَخُلِقْنَا لاَ أَن نموتَ ولكنْ
ساعةُ الموْتِ لَحْظَةُ الانتقالِ
يا فَتَى خُذْ نصيحةً من مُحِبٍّ
ودّعَ اللهْوَ في رحاب الليالي
إن للموتِ لحظَةً سوف تأتي
فَتَداركْ من قبلِ شدّ الرّحالِ
وتأمّلْ دُنْيَاكَ إنَّ صَدَاها
يَمْلَؤُ الأذْنَ قبْل يوم المآل
فَتَزَيّنْ منها بذكرٍ جميلٍ
يعبر الخلدَ واشتَغِلْ بالحلالِ
ثم قَفْ بـ «القبور» فهي مصيرُ الْقَوْمِ طُرّاً وَمَدْفَنُ الآمالِ
إنْ تكُنْ لاَهِياً فإنّ الرّدَى لَيْسَ بلاَهٍ والدّهْرُ لَيْسَ بسَالِ
فتزوّدْ بطاعةِ الله ذُخْراً
لَيْسَ شَيءٌ كَصَالحِ الأعْمالِ