سرب نخيل مثقل العذوق أطلقه كأمنية لتطوق الذين يجتمعون الآن يظلهم سقف الحوار الوطني، أولئك الذين يرتقون الثقوب ويرممون الشروخ ويؤسسون لتجربة مختلفة ونادرة في تاريخ الشعوب.
أحاول أن أتخلص الآن من الانثيال العاطفي المطوق بالإنشائية اتجاه تجربة تستحق الوقوف لها إعجاباً، وأتحول إلى بعض الأسئلة التي يحتمها واقع مشاغب ويملك جدول أعمال مختلف.
السؤال الأول: المؤتمرون حينما يجتمعون فإنهم ينتزعون نوعا ما من خلفيتهم التي أنتجت خطابهم الثقافي والمعرفي، أي هم ينتزعون من السياقات التي بلورت وعيهم ومعرفتهم وتوجهاتهم الفكرية، نحو جو معقم نظيف محتشد بالأماني الطيبة الذي تمثله قاعات الحوار، هذا الجو الذي لا يضمنه أحد بالتأكيد حال مغادرتهم القاعة، فهل يوجد كلام للتنظير والإعلام والواجهات الصقيلة وكلام لليومي العام المغلق على يقينه السابق، فمثلا هناك أحد شيوخ الصحوة في اللقاء الأول للحوار الوطني مع سمو ولي العهد، أجرى مع أحد شيوخ الشيعة حوارا ودياً وإنسانياً وقبل كل شيء وطنياً تقدم فيه الوطن على الفروقات المذهبية، ولكن سرعان ما تراجع هذا الشيخ عن موقفه عندما عاد إلى محيطه وسياقاته الفكرية السابقة ليقول بما معناه أنه كان يناصحه ويدله إلى الطريق الصحيح!! وذكر هذا في الموقع الذي يشرف عليه في الشبكة؟؟
وهذا نموذج يبرز لنا كيف بإمكان الحوار أن ينقطع عن السياق الذي أنتجه بصورة مؤقتة، ومن ثم لا يلبث أن يعود إليه.
وهذا بالتحديد يقودنا إلى السؤال الثاني: هل جميع المؤتمرين يمتلكون نفس الأدوات المعرفية التي توظف بغرض الحوار؟؟ أي هل نحن على ثقة بأن الجميع يريد أن يحاور ويتقبل الآخر بجميع تناقضاته ويتعايش وإياه أم أن البعض قد حضر وهو يمتلك حقيقته المطلقة ويود أن يلقيها على الآخرين من فوق منبره بطريقة وعظية خطابية يرسل فيها الخطاب المعرفي من أعلى إلى أسفل دون أن يكون هناك عملية تمازج واستقبال.
وهذا بالتأكيد يقودنا إلى السؤال الثالث، ما الإرث التاريخي الذي نرتكز عليه ونوظفه في حواراتنا؟ أي هل نمتلك ثقافة حوارية تؤصل لهذا المنهج وتراعي ضوابطه وشروطه والأدوات التي تستخدم خلاله بغرض الوصول الى الحقيقة النسبية المطوقة بالواقع الزماني والمكاني؟؟ وهل هناك خلفية شعبية سواء من العامة أو النخب تدعم الحوار وتؤصل له سواء نظرياً أو تطبيقياً؟ هذه الأسئلة الحائرة لا تمنع من إصراري على إرسال سرب نخيل للمجتمعين تحت سقيفة الوطن.
|