Tuesday 30th december,2003 11415العدد الثلاثاء 7 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من أين آتينا ؟ من أين آتينا ؟
المجتمع... الهيكلة المفقودة
د. عبدالله بن ناصر الحمود ( * )

تشير كلمة «مجتمع» في المفهوم العلمي والعرفي لدى المتخصصين والعامة، إلى مفاهيم عديدة تكاد تُجمع على أن من مركَّبات المجتمع وعناصره الرئيسة، أن ينتظم الناس في منظومات مجتمعية خارج إطار المؤسسات العامة، والمدارس، والجامعات، وحتى الأُسرة، وغير ذلك، مما يعد انتظامه أمراً محكوماً بنظام مؤسسي. ومن ذلك أن يشترك أفراد المجتمع في نشاطات عامة، فردية، حرة، متاحة، ومفتوحة للجميع، تتيح مجالا رحباً لتلاقح الرؤى (المجتمعية) وتكوّن التصورات الفردية الحرة الخاصة عن الناس والأشياء في المجتمع، خارج المنظومة المؤسسية التقليدية، ومع أن المجتمع السعودي قد تجاوز مراحل عديدة مميزة في هذا المجال، من خلال دعم إنشاء ورعاية المنتديات العامة، وأماكن الترفيه، وسلسلة المطاعم والمقاهي الشعبية، والمتطورة، وغير ذلك مما يدخل في موضوع النشاطات الحُرَّة للناس، إلا أن هذا المجال لا يزال يعاني من إشكالات متجذرة في تركيبة المجتمع التي لا تزال تدين بالولاء للأسرة والعشيرة، وأحيانا لجماعة الرفاق من الأصدقاء وزملاء العمل، أكثر من انفتاحها على المجتمع بمفهومه العام الشامل، وبذلك ازدهرت تجارة الاستراحات والمخيَّمات من جانب ومن جانب آخر بدأت تزدهر تجارة المقاهي المغلقة، وفي كلتا الحالتين يبقى الأمر فئويا، وليس مجتمعياً عاماً يلتقي فيه الناس، كل الناس، ويتعارف فيه الناس، كل الناس. وكنتيجة طبيعية لهذا الأمر، بقيت كثير من كياناتنا المجتمعية أقرب إلى المفهوم الأسري والعشائري، منها إلى المفهوم المجتمعي الحديث.
قد تكون هذه التقليدية في فكر المجتمع وممارساته أمراً مقبولاً في زمن مضى حينما كان العالم هادئاً، والمجتمع بسيطاً، أما اليوم فإن هذه البيئات المتحفظة على الاتصال بالآخر مدعوة لتشكل كيانات مجتمعية منسجمة - فقط - مع بعضها. وهو انسجام لا يؤدي بالضرورة الى الانسجام مع غيرها من كيانات المجتمع، لأنها لم تلتق بها ولم تحاورها وفق منظومة مجتمعية حرة ومعلنة ومتاحة في كل مكان في المجتمع، وقد ينتج عن هذه البيئة الخاصة منتجات غير مألوفة، ومركبات غير مرغوبة، تستند إلى أفكار تكوّنت في الظلام المجتمعي، قد يصدر عنها سلوكيات منحرفة، وأحياناً مدمرة. من المتاح جداً أن يُخترق المجتمع عبر هذه الكيانات التي لا ترتبط به، بل تكتفي بارتباطاتها الخاصة والعميقة من منظور فئوي خاص بها. ومن هنا قد يحدث المحظور، وسيبقى هذا المجال رحباً أمام مريدي الاختراق ما لم يقفل بالدعم السريع والجريء للمشروعات المجتمعية الشاملة الحرة، التي تتيح للناس أن يلتقوا بالضرورة في أماكن عامة، وترسيخ هذا السلوك المجتمعي باعتباره قيمة محمودة، ومطلوبة، وضرورة من ضرورات الحياة المعاصرة، عوضاً عن الفئوية في استخدام المتاح من هذه الأماكن في المجتمع.

( * ) عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved