الاعتداء على وزير الخارجية المصري السيد أحمد ماهر قبل أيام في المسجد الأقصى بالقدس الشريف على أيدي بضعة فلسطينيين، والاعتداء على وزير الخارجية السعودي سمو الأمير سعود الفيصل قبل شهور في القاهرة على أيدي اثنين من الليبيين، واقعتان مجرَّمتان على كل المستويات إلا حفنة الفاعلين الذين لم يكونوا يقصدون المجني عليهما (شخصياً) إذ إن الوزيرين يمثلان قمة الدبلوماسية ويحظيان باحترام الساحة العربية، وليس بينهما وبين أي من الجناة ثأر (شخصي) مما يؤكد أن الأمر أبعد من ذلك بكثير ففي الواقعة الأولى كان من الواضح أن الجانيين مدفوعان دفعاً ومأجوران لتصفية حسابات شهدتها القمة العربية الأخيرة وهو أسلوب رخيص بالقطع. بالنسبة للواقعة الأخيرة يمكن أن تكون المجموعة التي ارتكبت الجرم تنطلق من معتقدات تغني خارج السرب وخارج سياق المصلحة العامة، وربما كانوا مأجورين لعملية - قد تكون لحساب العدو - تهدف إلى الوقيعة بين مصر وفلسطين، ووقف المساعي المصرية الباحثة عن فرص السلام وسط أكوام الجثث وأنهار الدم، ورغم الغضب الحانق على الجانبين وإن كان الألم الفلسطيني هو بالتأكيد الأشد والأنكى إذ يواجه الفلسطينيون خصماً لا يلتزم بأي شرعية ويفوقهم عدداً وعدة وتأييداً ودعماً من القطب الأوحد، أو أن يكون الجناة تجار حرب أو تابعين لتجارها مروجين لسلعتها حتى تبقى لهم وظائفهم ودخولهم بصرف النظر عن صالح الوطن.
ولا يزعجنا ذلك فهو أمر طبيعي أن المجتمع أي مجتمع وإن غلبت عليه روح الخير، لن يعدم وجود تلك الأقليات التي تخرج على إجماعه سلباً وليس ببعيد عنا حفنة الخونة الفلسطينيين الذين يبيعون أرواح مواطنيهم - حتى القادة - وها نحن نسمع ولولة النساء ممن فقدن أبناءهن أو أزواجهن أو ذويهن وهن ينعين ويدعون على أولئك الخونة الذين يقودون اليهود كل يوم إلى محاتف الفلسطينيين. نحن جميعاً نعرف أن المدينة الفاضلة لم تتحقق إلا على الورق، ومجتمع الملائكة لم تقم له على الأرض قائمة فلماذا نندهش كل هذه الدهشة إلى حد العصبية حين تطالعنا تلك القلة بأفعالها المشينة؟
صحيح أن الواقعتين أساءتا للمشهد العربي كله، وأن الواقعة الأخيرة تحديداً قد وظفها الإعلام اليهودي توظيفاً بالغاً لبيان الشتات العربي من جهة وتعرية الفلسطينيين عن رغبة السلام من جهة أخرى فكيف يقوم السلام بيننا وبينهم وهم فيما بينهم يتقاتلون؟!
هكذا يتساءل اليهود أمام العالم، وتخسر القضية نقاطاً جديدة تضيف إلى العجز عجزاً جديداً!
المشهد بالغ الأسى والأسف على وجه الحقيقة أن تقطع ثياب من يخالفني في الرأي وإن كان يسعى مخلصاً لصالحي، ونحن جميعاً ضد تلك الفئات التي يقودها التطرف الفكري إلى تكسير الأجنحة وتقطيع أحبال النجاة والطائرة توشك على الغرق.. ولكن الأكثر أسى وأسفاً أن يلعب الإعلام العربي سياسة سكب الزيت على النار بدلاً من ملاحقته النار ومحاصرتها.. السعودية من جانبها لجأت للقضاء واكتفت، لكن أصواتاً ترتفع اليوم في مصر تدعو إلى نفض يدها من القضية والانصراف لمعالجة شؤونها الداخلية بدعوى أن الكيل قد فاض من أفعال الفلسطينيين ضد كرامة مصر ورموزها، وينكأ هؤلاء جراحاً قديمة من المفروض أن يكون الزمن والظروف التي تعيشها الأمة العربية قد أدملتها ويتناسى من يدق طبول الفرقة أن بشاعة الحادثتين يجب أن تبقى قرينة الجناة دون غيرهم من الأمة والدليل تلك الاعتذارات المتكررة على كل المستويات الفلسطينية لمصر ووزيرها وشعبها وتلك الوفود التي راحت إلى أرض الكنانة تعلن أشد الأسف لما جرى.
فلا تحمّلوا - أيها السادة - الأمور فوق ما تحتمل ولا تسعوا إلى شقوق جديدة في الصف وكفانا يا قوم شقاقاً وشقوقاً!
|