لو بحثت.. ستجد في منزلك العديد من أنواع «الملطفات» الطبيعية والاصطناعية، سواء ما كان منها للشعر.. أو للجوِّ.. أو للحرارة.. أو للبرودة.. إلخ، بل إنك ستجد أيضا العديد من أنواع الملطفات الأخرى كملطفات أو مسكنات الألم.. وغيرها لتلطيف وتعديل المزاج.. أو إزالة القلق.. أو تخفيف ضغط الدم.. ونحو ذلك.
** وبقليل من التمعُّن سيتضح لك أن تعاملك مع «التلطيف» لا ينحصر على الجوانب المادية منه فحسب، بل إنك أيضاً تعايشه أملا وكناية وعلما وتعليما؛ فتدعو أملا باللطف، وتسمي كناية عن اللطف وعشما به «لطيف ولطيفة».. وتحرص تعليمياً/ تربوياً على التعامل باللين واللطف استنباتا له وأملا بجني ثماره.
** قصدت بما سبق أننا جميعا نعيش اللطف ونعايش مشتقاته في حياتنا اليومية، بل على مدار الساعة، غير أن ذلك يحدث على الجانب الفرديّ فقط.
والسؤال: أين هو يا ترى موقع «التلطيف الثقافي» من واقعنا المعيش؟!
وتتجلّى أهمية السؤال السابق في ضوء الحقيقة الماثلة في أنه من المحال تحقّق «اللطف» على المستوى الفردي ما لم يتمّ تحقيقه أولاً على المستوى الجمعيّ.. وأقصد بذلك على مستوى الثقافة.
** فالثقافة هي مرآة فكر الفرد ومحدد سلوكه.. بمعنى أنها صائغة أفكاره المترجمة عن طريق سلوكياته. ولا شك في أن المجتمع الذي تتشبّع باللطف أفكار أفراده وبه تصطبغ سلوكياتهم ليس إلا مجتمعا ذا ثقافة تنتهج التلطيف، وتأخذ بأسبابه، وعكس ذلك صحيح أيضا؛ فالمجتمع الذي تخلو ثقافته من التلطيف ليس إلا مجتمعا يعوز اللطف أفراده.
** وتحتل «الغربلة» القيمية صدارة قائمة وسائل التلطيف الثقافي، حيث تتوجب الصيانة الدورية لعقلية هذا المجتمع بغربلتها، مثلها في ذلك مثل أي مكنة أو آلة دأبها الدوران والسيرورة باستمرار.. ومثلما أن الغربلة ثقافية «جمعية» فلها وجه أيضا فردي بالأحرى.. محوره ضرورة تحقيق أعلى درجات التلطيف بمنح الفرد فرصة التداول الذاتي مع ذاته بكل انسجام وتناغم مع ثقافته المعيشة.
|