Tuesday 30th december,2003 11415العدد الثلاثاء 7 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

فرنسا، الحجاب، (الكرواسان) فرنسا، الحجاب، (الكرواسان)
أنور عبدالمجيد الجبرتي

* الفرنسيون قوم يعشقون الجدل والمناظرة والمراء، ويمارسون ذلك بحسن نية في معظم الأحيان، ويقعون في تناقضات لذيذة في بعض الأحيان، ومؤلمة أحياناً.. عندما قال الجنرال «ديجول» كيف أحكم أمة عندها خمسمائة نوع من الجبنة؟ لم يشرح الجنرال بأن كل فرنسي معجب بجبنته المفضلة إلى حد الافتتان وأنه مستعد لكي ينفق مناسبة عشاء كامل في الحديث والجدل مع الآخرين حول الفضائل النسبية لهذه الجبنة أو تلك.
* سمعت يوماً وأنا في باريس بأن هناك مقهى شهيراً في ميدان «الباستيل» يفتح أبوابه الساعة الثامنة صباحاً يوم الأحد ويختار أعضاؤه موضوعاً يتناظرون حوله حتى الظهر ويتناولون القهوة ويأكلون «النقانق» وخبز «الكرواسان»، حرصت على الذهاب إليه في صباح يوم أحد شتائي وأنا أقول لنفسي هذا الأمر يحصل فقط في فرنسا ومع فرنسيين يستيقظون مبكراً يوم اجازتهم الأسبوعية، ولكن ليس لمشاهدة مباراة كرة القدم أو للخروج في نزهة ريفية غرامية، وجدت المقهى مزدحماً ورائحة القهوة الطازجة تملأ المكان، والنقاش محتد، والوجوه جادة ومهتمة. لم أكن أفهم اللغة حقاً ولكنني توقعت أن الموضوع مصيري وجاد، ويلمس قضايا عالمية أو أحداثاً وطنية تستحق النهوض مبكراً من دفء السرير في يوم بارد.
استمتعت بالقهوة والكرواسان وملاحظة تعبيرات الوجوه وحركات الأيدي والتقاط بعض الجمل أو الكلمات ولكنني لم أفهم الموضوع حقاً حتى تطفلت وسألت هنا وهناك، وعثرت على متحدث بالانكليزية أفهمني أن ضيف هذه الندوة كان بروفيسوراً في «الفيزياء الفلسفية» وان موضوعها كان يدور حول الأبعاد الفلسفية والأخلاقية لامكانية تربيع الدائرة أو تدوير المربع. دهشت، وضحكت، وقلت: هذه فرنسا وهذا شيء فرنسي حقاً.
* عشق المراء والجدل يجعل من الحبة الصغيرة جبلاً ويوقع في التناقضات وتخلق أزمات جديدة.
* تتجه فرنسا إلى حظر الحجاب، في مدارسها وقد حظرت أيضاً القلنسوة اليهودية، والصلبان الكبيرة، وهذا بالطبع للتمويه واعطاء الانطباع بتطبيق المساواة، ولكن الجميع يعرف أن الهدف الحقيقي هو غطاء الرأس للفتيات المسلمات.
* أحد الأسباب حقيقة هو بحث المواضيع المختلف عليها حتى ولو كانت هامشية واطالة النقاش حولها،والمخاطرة في اتخاذ قرارات محرجة، ومتناقضة مع المبادئ الأساسية للجمهورية الفرنسية.
* النائبة المحافظة في الجمعية العمومية الفرنسية «كريستن بواتين» تعارض حظر الحجاب، وترى أنه كان يجب تهميش الموضوع بدلاً من التركيز عليه وتحويله إلى أزمة.
* ووزير الداخلية الفرنسية «نيكولاس ساركوزي» يعارض حظر غطاء الرأس لأسباب مبدئية ويقول بان حظر «المختلف» عليه في الجمهورية الفرنسية يمثل نوعاً من «الأصولية العلمانية».
* لا يشكل الحجاب أي تهديد لمبادئ الجمهورية الفرنسية في فصل الدين عن الدولة، بقدر ما يمثله حظر الحجاب كممارسة دينية من نقض واضح لمبادئ هذه الجمهورية، فمنع المؤمنين من ممارسة شعائرهم يمثل في الواقع أصولية علمانية مفروضة من السلطة السياسية والحجاب عند المسلمين ليس رمزاً تعاطفياً مثل ارتداء الصليب أو القلنسوة ولكنه ممارسة دينية، ولذلك يقع تحت عنوان حرية ممارسة الشعائر دون تدخل من الدولة أو سلطاتها.
* المبدأ الأساسي في العلمانية السياسية التي يفخر بها الفرنسيون هو أنه ليس للسلطة حق في اجبار الناس على معتقد معين أو منعهم عن التعبير بحرية، أو ممارسة شعائر دينهم أو أفكارهم السياسية ومن دون هذا المبدأ تسقط العلمانية وتتناقض مع نفسها وتصبح ألعوبة في يد الأقوياء في هرم السلطة يفرضون ميولهم وتفسيراتهم وتصوراتهم.
* يتساءل «مات وايز» و«تيمور يوسكايبف» في مقال نشراه في صحيفة «الهيرالد تربيون» هل سيسعى الفرنسيون إلى حظر فطيرة «الكرواسان»؟ وهي فطيرة فرنسية هلالية الشكل اخترعها الفرنسيون منذ زمن قديم للاحتفال بالنصر في معركة بين المسلمين والمسيحيين؟
* حب الجدل وعدم الخوف من التناقضات الوطنية، والاحتيال السخيف لايجاد حلول لها، يجعل الفرنسيين قادرين على حظر الحجاب، وحتى «الكرواسان».

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved