قد يتساءل المرء عن سبب الهجرة إلى اسرائيل قائلا: ما الذي يحد بالأمريكي المليونير إلى ترك بلاده التي هي مسقط رأسه والتي ترعرع بين جنباتها وشرب من مياهها؟ وبالفرنسي الآمن إلى بلاد تعيش تحت الحرب. وبالانكليزي المترف المحافظ على التقاليد إلى طرح ذلك والسفر إلى إسرائيل. هذه فتاة في ميعة الصبا قد تركت أهلها وتوجهت إلى اسرائيل وهذا شاب ذو خبرة وحكمة قد شد الرحال إلى اسرائيل. إلى ما هنالك من الأمثلة التي نسمعها عبر الإذاعة أو نقرأها في الصحف والمجلات. وآخر مثل على ذلك هو هجرة الطيار الروسي اليهودي «جريشا» الذي كتبت عنه صوت الخليج بعددها الصادر في 6 محرم 1391، تحت عنوان «طيارون سوفيات في سلاح الجو الاسرائيلي»!.
والآن دعني عزيزي القارئ أقلب أمامك صفحات التاريخ حتى نصل إلى مكة المكرمة، وقد بدأت هجرة المسلمين منها إلى المدينة المنورة. والسؤال أيضاً ما الذي حمل هؤلاء المسلمين على الهجرة؟ حيث يحدثنا التاريخ أن منهم من ترك زوجته وولده مع شدة حبه لهما (كأبي سلمة رضي الله عنه) ومنهم من ترك جميع أمواله وهاجر صفر اليدين (كصهيب الرومي رضي الله عنه) وهناك عشرات الأمثلة من هذا النوع.
والحقيقة أن المرء ليقف في حيرة أمام هذه الظاهرة، وهي انتقال المرء من مجتمع آمن درج عليه إلى مجتمع لا يعرف عنه سوى الاسم. بل مجتمع جديد عليه. ثم هو فيه معرض للقتل بين لحظة وأخرى.
ولكن عندما نسأل اليهود في فلسطين، نقول لأحدهم أنت فرنسي؟ يقول لا، أنا يهودي، ومثل ذلك يحصل على الانكليزي ومع الروسي، ومع الألماني كلهم يقولون بصوت واحد (نحن يهود). وهذا أيضاً ما حصل بالنسبة للمسلمين أيام الهجرة. فقد كان الواحد منهم قبل الاسلام يعتز بالانتساب لقبيلته، بل نراه يموت من أجل الدفاع عن هذه الفكرة. ثم نجد في «المدينة» أنهم كلهم قد انصهروا في بوتقة الاسلام، وقال الرسول الكريم عن العصبية: دعوها فإنها منتنة وقال عن سلمان الفارسي: سلمان منا آل البيت.
فذاك سر من أسرار انتصار المسلمين، وهذا سر من أسرار انتصار اليهود حتى حين.
|