العلاقات بين الجيران في الزمن الماضي، متينة وقوية. حيث إن البيوت المبنية من الطين، مرتبط بعضها ببعض مع الجيران بواسطة فتحة مقاسها متر في متر تسمى «النتقة» فالترابط العائلي بين الأسرتين وثيق مبني على مبادئ إسلامية وثيقة مستمدة من الكتاب والسنة ومن العادات والتقاليد الشائعة في المجتمع، يسودها الحب والإخلاص والتضحية، والقلوب الصافية الخالية من الحقد والحسد والكراهية، يعتبرون أنفسهم أسرة واحدة كالجسد الواحد، فالرجال لهم جلسات خاصة وفي أوقات معروفة منها بعد تأدية صلاة الظهر وأخرى بعد تأدية صلاة المغرب فتجد القهوة التي تفوح منها رائحة الهيل والزعفران والشاي بحرارة الزنجبيل وكثرة السكر فالسواليف المؤنسة والقلوب الصافية والأخبار الجديدة.
فالجار يعرف كل شيء عن جاره صغيراً وكبيراً يفقده في سفره ويكون له نائباً ويعلم بمرضه فيعايشه الأحزان، يعرف مشاكله فيحمل جزءاً منها بما يستطيع، ويساعده في أموره المختلفة، يخدمه بنفسه وأولاده شعارهم كلمة «نعم الجار» وأنا عايشت هذه العلاقة بين الجيران فقد كان لي جار عزيز وغال له مكانة خاصة في قلبي إذا سافرت استلم مفتاح سكني، يقدم لي خدمات كثيرة وسقيا الحديقة.. وإذا كنت أعزب فإنه يدخل بيتي في غيابي وتقوم زوجته بتنظيف البيت كاملاً، فنعم الجار، أما الخدمات الأخرى من أكل وشرب فحدث ولا حرج علاقة قوية، ولكن لم تستمر بسبب الافتراق بالرحيل من حارة إلى أخرى.
أما العلاقات بين الجيران في الزمن الحاضر فإني أسميها «العلاقات الباردة بين الجيران» لأن الجار يجهل أموراً كثيرة، أو قد لا يعرف اسم جاره، يسافر الجار أو يصاب بحالة مرضية، وقد تزيد على الشهر والشهرين فلا يعرف عنه شيئاً يقابله بسلام بارد وتحية جامدة، ومن المواقف المؤلمة والمحزنة والتي يتأثر لها الضمير ما سمعت من خبر يقول: عمارة تتكون من دورين منفصلين تسكنها أسرتان واحدة في الدور الأرضي والأخرى في الدور الأول، سكنوا سنوات لم تربطهم أي علاقة أو معرفة اللهم إلا إذا تقابل الرجال، فالسلام برفع الأيدي فقط وقد لا تسمع صوتاً؟ وشاءت إرادة الله وتوفيت زوجة الشخص الذي يسكن في الدور الأرضي وبعد مضي شهرين من وفاتها، علم الجار الذي يسكن في الدور الأول، فبماذا تفسر هذه الحالة.
وهل العلاقات فيما بينهم حارة أم دافئة أم باردة أم مبتورة أم الأحاسيس ميتة؟
الجار له حقوق إسلامية مفروضة على الجار فأين هذه الحقوق؟
قد توجد بعض العلاقات المبنية على المصالح فإذا كان للجار حاجة خاصة فسوف تظهر الابتسامة العريضة والترحيب الحار والعبارات اللفظية التجارية، نحن جيرانكم نحن نعزكم ونغليكم «ومتى تسيرون علينا» نحن في خدمتكم، وهلم جرا من العبارات التي ليس لها وزن من ثقل؟
نحن نعرف جميعاً أن الجار قبل الدار.
اللهم إني أسألك أن نكون آلفين ومؤلفين وأن تكون علاقتنا مع الجيران علاقات إسلامية يسودها الود والمحبة والسلام اللهم استجب.
|