Monday 29th december,2003 11414العدد الأثنين 6 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

وعلامات وعلامات
وقفة تأمل..! 1/3
عبدالفتاح أبو مدين

يختلف الإحساس، وتختلف الرؤية، بين كاتب وقارئ، وبين كاتب وكاتب، وهذا الاختلاف خير ومزيد من التأملات المتجانسة وغير المتجانسة.. ورؤية منشئ النص في كثير من الأحيان غير رؤية المتلقي والباحث، فالزوايا ذات أبعاد في تعريفها الرياضي حسب مقاييس درجاتها التي يحددها - الفرجال-.!
أمامي قصيدة، كتبها الشاعر، الناقد والفقيه، الدكتور محمد العيد الخطراوي، واسمعنيها في ملتقانا في دار الحنان والسكينة والجوار الكريم، في المدينة المنورة، يوم 28/9/1424هـ، يوم تفضَّل بزيارتي.! وعنوان القصيدة: «بوابة الموت»، وأنا لست أعدها كذلك، فلست متشائماً، والموت حق؛ ذلك أن روح القصيدة عرض لمسيرة حياة شاعر، عبر مراحل حياته، في وثبات الشباب والصبا، ثم مراحل الرجولة والآمال والطموحات والسعي في الأرض.. إنها رحلة، وما أكثر من يكتنفها من صروف الحياة، ولولا ذلك لما كانت حياة، وما كانت دنيا.!
* الحياة بطولها وقصرها مرحلة، والانتقال إلى الدار الآخرة مرحلة، وهي نهاية للحياة في الدنيا، ثم قيامة بعد الدار الآخرة.! والإنسان يضطرب في هذه المراحل، وتصيبه رحمة خالقه قبل كل شيء، ثم «ما سعى».!
* شاعرنا يتخطر في تأملاته، ويقدم إلى قارئه ما ينداح في نفسه، بتصوير جميل، استمعت إليه وهو يقرأ نصه الجميل، من خلال مروره بمراحل العمر، وخيّل إليَّ أني أمام شريط تسجيلي، يقص أحداثا ومشاهد وصوراً، وصنوفا من الأشياء والأمكنة التي يضطرب فيها الحي، اختزنتها الذاكرة، ثم أتيح لها أن تطفو على النفس، فتبوح بها.! وهكذا الأدب تنفيس عن النفس، للمنشئ والمتلقي، في تعبير، بقدر صدقه واتقانه وجموح الخيال فيه، غير خارج عن دائرة الأداء الجيد والصدق في البوح بالمعاناة وما يعتمل في النفس.!
عندما كنا شباباً
يتخطَّر
يسرقُ الكحلَ من العين
ويلهو بعصافير الدوالي
وفراشات الحديقة
وعقود اليَاسَمِين..!
كانت الضحكة فجراً لازوردي الضياء
وأغاني الحقل أحلاما أنيقة
وتواشيح رقيقة
كل ما حولي: أحلام وريقة
* سبح الشباب والقوة والأحلام والانطلاق في الحياة، إنها أحلام، وأصحابها يومئذ لم يتح لهم التأمل والتوقف أمام الواقع والآتي، لأنهم حالمون غارقون في أخيلة وجدانية ومرح وسرح.! مرحلة لا تتيح للكثير أن يفكروا مليا فيما هو آت.! فإذا ما بلغ المرء مرحلة النضج، وإذا ما بلغ كذلك مراحل، يصحو فيها من سبحه وأخيلته، بدأ ينظر ويتأمل..
وشاعرنا يهيم مع الشعراء الحالمين والسابحين في الوطن العربي، مع أغاني الحياة، وهي سبيل الحالمين في الفضاء والجمال في كون الله الفسيح الحافل ببديع الصانع سبحانه وتعالى:{ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} .
* الحلم في مرحلة الشباب هو السائد والقابض على مسيرة تلك المرحلة التي نسمِّيها مراهقة.!
- وأنا في الحلم أحلم
ثم غاب الحلم، حين فاجأه عليه الواقع المفاجئ، فاستيقظ الشاعر من سبحه، وتحول الحلم إلى ما يشبه الانزعاج، فأخذ الشاعر يردد:
ضاع الحلم
ها هو اليوم صريعا يتقنطر
عبث الشيب به
* أجل ! عبثت به الأيام، في كر الجديدين، وتلك سُنَّة الحياة الدنيا.! وتقرأ شاعرنا وهو يرد فيما يشبه الحسرة على ما فات:
عبث الشيب برأسي
وسرى الهمُّ بنفسي
فتوارتْ رغباتي
وتدانت خطواتي
وتحيّرتُ بأمري
وانتهت نظرةُ وجهي
بتجاعيد عديدة
* إن الإنسان لما تتقدم به السنُّ يصحو، حين يفقد بعض أسلحته، ينظر إلى أمسه الذي لن يعود، ويتأمل في يومه، ويفكر في غده وما سيأتي به، وتتراءى أمام عينيه جداول الحسابات لما مضى ولما هو آت، وتلك هي مسيرة الحياة.! ومن المحقق أن الإنسان يأخذ في التمسك بالحياة أكثر، ويحرص على أكبر كسب يُتاح له فيها.!
وإصراري على حب الحياة
ربما تؤثرني الدنيا بعود عسجدي
للميادين القديمة
فتعود النظرة الأولى
وتكسوني قواي المنطقية
ومشيئات شبابي
وصباحاتي النديَّة

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved