Monday 29th december,2003 11414العدد الأثنين 6 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

على هامش مؤتمر مؤسسة الفكر العربي « 2 » على هامش مؤتمر مؤسسة الفكر العربي « 2 »
د. عبدالله الصالح العثيمين

أشير في الحلقة السابقة إلى أن الباحث الدكتور فواز جرجس، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة ساره لورانس في نيويورك، تحدث في المؤتمر الثاني لمؤسسة الفكر العربي ببيروت عن مستقبل العلاقات العربية الأمريكية، وأن حديثه تضمَّن ذكره لأسئلة قال: إن المثقفين العرب يتداولونها، وهي: ماذا تريد الولايات المتحدة الأمريكية من الدول العربية؟ لماذا لا تأبه بالهموم والمصالح العربية؟ لماذا تستخف سياستها الخارجية بالعرب فتسيء معاملتهم؟ ولماذا هي منحازة ضد الفلسطينيين وداعمة بشدَّة لسياسة إسرائيل عدوَّهم الأكبر؟ وأسئلة أخرى «يطرحها عدد من النخبويين والإعلاميين الأمريكيين، وهي: لماذا يكرهنا العرب؟ ماذا فعلنا لنستحق هذا العداء؟ ماذا يريد العرب المسلمون من الولايات المتحدة الأمريكية؟
وأشير في تلك الحلقة أيضاً، إلى شيء مما قاله المتحدث الكريم تجاه الموضوع، وإلى أن أكثر حديثه كان مركزاً على الماضي والحاضر، وأنه اختتمه بطرحه رؤية عنوانها: «عقد اجتماعي جديد للعالم العربي»، قائلاً: إن تحقُّق هذا العقد سيؤدِّي إلى نجاح من أهم جوانبه احترام الآخرين لهم، كما أشير إلى أن الإجابات عن الأسئلة التي يطرحها الجانبان العربي والأمريكي تختلف من شخص إلى آخر وفق ما يتمتع به المرء من اطلاع، وما عنده من ميول.
وكاتب هذه السطور - مع تأكيده على محدودية اطلاعه - يحاول في كتابته هذه الإجابة عن الأسئلة المطروحة بناء على ما يتوافر لديه من ذلك الاطلاع المحدود.
مع أني أحد المهتمين بدراسة التاريخ الحديث، أو جوانب منه، فإني لن أوغل في تاريخ هذه الفترة لتقصِّي جذور المواقف العدائية لبعض الساسة والمفكرين الأمريكيين الأوائل تجاه العرب والمسلمين. بل اكتفى بإشارات قد تساعد على الاجابة عما أحاول الإجابة عنه من أسئلة، ومن ذلك أن بعض أولئك الساسة والمفكرين، ابتداء من القرن التاسع عشر الميلادي، قد اتخذوا مثل تلك المواقف العدائية بوضوح. فكتاب أحدهم المعنون: حياة محمد مؤسس دين الإسلام وامبراطورية السارزان (والسارزن اسم أطلقه أعداء الإسلام على المسلمين) طبع سنة 1831هـ، مشتملاً على أشنع ما كتب عن العرب والمسلمين والنبي محمد، صلى الله عليه وسلم، في الولايات المتحدة. وكتابه الآخر المعنون: وادي الرؤى، أو عظام إسرائيل اليابسة، من أبرز محطات الصهيونية الأمريكية الداعية إلى ضرورة العمل من أجل تجميع يهود العالم في فلسطين وتدمير ما سماه امبراطورية السارزان.
ولو تأمَّل الباحث مواقف قادة أمريكا من بداية القرن العشرين إلى الآن لوجد أن ذلك الموقف العدائي المشار إلى وضوح شيء منه في القرن التاسع عشر ظلَّ هو الموقف العام لأولئك القادة، وإن اختلف وضوحه من واحد إلى آخر.
فالرئيس ولسون، المتوفى عام 1924م، المشهور بمناداته بحقوق الإنسان، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، قد أيَّد وعد بلفور القاضي بالسماح لليهود باقامة وطن قومي لهم في فلسطين مع أنه يعلم - ربما أكثر من غيره - أن إقامة مثل هذا الوطن تتنافى مع الحق الشرعي للفلسطينيين في بلادهم، ولقد بذل الملك عبدالعزيز - رحمه الله - محاولات جادة ليبين للرئيس روزفلت ما لحق بالفلسطينيين من ظلم، وناشده بعبارات مفعمة بالاطراء والمديح «باسم العدل والحرِّية ونصرة الشعوب الضعيفة التي اشتهرت بها الأمريكية النبيلة، أن تتكرَّموا بالنظر في قضية عرب فلسطين، وأن تكونوا نصراء للأمن المطمئن الهادئ المعتدى عليه من قبل الجماعات المشرَّدة من سائر أنحاء العالم. ورغم ذلك كله فإن الرئيس الأمريكي أجابه قائلاً:
إنه طالع ما في رسالة الملك باهتمام خاص، وإن اهتمام الشعب الأمريكي بفلسطين يرتكز على عدة اعتبارات، منها ما هو ذو صبغة روحية، ومنها ما هو ناشئ عن الحقوق التي نالتها الولايات المتحدة في فلسطين من الاتفاقية الأمريكية البريطانية الخاصة بالانتداب في فلسطين المؤرخة في 3/12/1924م.
وأحال في نهاية رسالته الجوابية إلى بيان وزير خارجيته حول فلسطين، وهو البيان الذي ورد فيه:
«كما هو معروف حق المعرفة فالشعب الأمريكي قد اهتم اهتماماً وثيقاً عدة سنين برقي الوطن القومي اليهودي بفلسطين. وكل رئيس، ابتداء من الرئيس ولسون، قد عبَّر عن اهتمامه الخاص في مناسبة واحدة، أو مناسبات عدَّة، بفكرة وطن قومي لليهود، وأبدى سروره بالتقدم الذي وصل إليه إنشاء هذا الوطن، وفوق ذلك فقد عبَّر عن عطف الأمريكيين على الوطن اليهودي في فلسطين، وترحيبهم بالقرار المشترك الذي اتخذه المجلس النيابي الأمريكي (الكونجرس) والذي أمضاه الرئيس الأمريكي في 21/9/1932م، مسجلاً خطة الولايات المتحدة الودّية نحو هذا الوطن القومي. وإنه في ضوء هذا الاهتمام راقبت الحكومة الأمريكية وشعبها بأشدِّ العطف تدرُّج هذا الوطن في فلسطين، وهو مشروع لعب فيه الذهب ورأس المال الأمريكي دوراً رئيساً.
وهكذاً يتضح أن ما أورده الملك عبدالعزيز في رسالته إلى الرئيس روزفلت لم يلق أذنا صاغية، فجواب هذا الرئيس على مناشدة الملك المفعمة بالاطراء والمديح له بالنظر في الظلم الواقع على الفلسطينيين يوحي وكأن الملك كان يناشده ان يوضح تأييده لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين على حساب أهلها الذين وقع عليهم الظلم.
وكرَّر الملك عبدالعزيز الكتابة إلى الرئيس روزفلت، محاولاً اقناعه باتباع الحق ومناصرة العدل. وردَّ الرئيس بأن حكومته ترى عدم اتخاذ أي قرار يغيَّر وضعية فلسطين الأساسية من دون التشاور الكامل مع العرب واليهود.
أما كيف ينسجم عدم تغيير الوضع الأساسي مع تأييد اقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وإمدادهم بالذهب ورأس المال الأمريكي لتنفيذ ذلك فأمر متروك لكل قارئ أن يجيب عنه.
وأتى ترومان إلى رئاسة أمريكا بعد روزفلت، معلناً أن أصوات اليهود في انتخابات بلاده في طليعة ما يأخذه في الاعتبار، وما أعلنه أصبح نهج أكثر الرؤساء الذين خلفوه. ومن يقرأ كتاب فندلى من يجرؤ على الكلام، وأمثاله، يدرك أسباب ذلك. وكان من أبرز الخدمات التي قدَّمها ترومان للصهاينة ضغطه على دولة المكر البريطانية لتسمح بدخول مئة ألف يهودي دفعة واحدة إلى فلسطين. ثم تابع خدماته الجليلة لهم باغرائه، أو تخويفه، لعدد من دول العالم كي تؤيِّد قرار تقسيم فلسطين، وتعترف بدولة إسرائيل، وتساند قبولها عضواً في الأمم المتحدة.
أما مواقف رؤساء أمريكا بعد إقامة الدولة الصهيونية على أرض فلسطين فغير خافية على الكثيرين. ومن ذلك أن الرئيس المشهور، جون كيندي، قد تعهَّد بحماية حدود تلك الدولة المغتصبة مع أنها لم تحدِّد لها حدوداً حتى الآن. ومعنى ذلك أنه تعهد بحماية كل ما اغتصبته سابقاً، وما ستغتصبه لاحقاً. ومن المعروف أن ذلك الرئيس كان الكاثوليكي الوحيد بين رؤساء أمريكا، الذين كان أغلبهم من ذوي الميول المسيحية المتصهينة، وأن سبع عشرة شخصية قضي عليها، واحدة بعد أخرى - خشية أن يؤدي تحقيق مستقل مع أيٍّ منها إلى الكشف عن القوة الخفية التي كانت وراء اغتياله.
وعندما لاحت بوادر انتصار العرب على الجبهتين السورية والمصرية عام 1973م - مع أن تحرير معظم ما اغتصب من أراضيهما عام 1967م. لم يتم بعد - أقامت أمريكا جسراً جوياً لمدِّ الصهاينة بأسلحة متطوِّرة في طليعتها طائرات ودبابات جديدة، وبطيارين يحملون الجنسية الأمريكية ثم كان مما قامت به إدارة بوش الأب ما وصفه وزير خارجيته، بيكر، بأنه أكبر خدمة لإسرائيل، وهو القضاء على التهديد الاستراتيجي الحقيقي، الذي يمثله ألد أعداء تلك الدولة: قوة الجيش العراقي. أما بوش الابن، الذي يرى في شارون المرتكب لجرائم حرب شنيعة ضد الشعب الفلسطيني، فتزعُّمه احتلال العراق، وما يقوم به جلاوزة قواته من إذلال وامتهان للشعب العراقي وحرماته الأسرية، مما يشغل الحديث عنهما أكثر وسائل الإعلام الآن.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved