Sunday 28th december,2003 11413العدد الأحد 5 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

آداب السلوك في الإسلام آداب السلوك في الإسلام
مالك ناصر درار جدة

إجابة الدعوات
ومن الآداب الاسلامية التي ينبغي التقيد بها لأنها من قواعد حسن السلوك، ان تجيب دعوة من دعاك إلى طعام، وإن كان اقل شأنا منك فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيب دعوة العبد المملوك اذا دعاه «اخلاق النبي».
ومعروف انه يجب ان يبدأ الانسان طعامه دائماً ببسم الله لأن الله يبارك بطعام ذكر عليه اسمه.
ومن الآداب ألا يعيب الانسان الطعام الذي قدم له، فما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط إن اشتهاه اكله وإن كرهه سكت.
بل إن من حسن السلوك ان تمدح الطعام دائما سواء كان في بيتك أو بيت غيرك، تكريما لزوجتك اذا هي طبخت، وشكراً للداعي، ومن هيأ الطعام، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوما بيته فطلب من اهله إداما، فقالوا: ما عندنا الا خل فدعا به فجعل يغمس الخبز بالخل ويأكل منه ويقول نعم الادام الخل.
ومن العيب الشديد ان تراقب الآخرين من المدعوين وهم يأكلون، حضر اعرابي سفرة الخليفة الأموي هشام بن عبدالملك فبينما هو يأكل معه اذ تعلقت شعرة في لقمة الاعرابي فقال له هشام: عندك شعرة في لقمتك يا اعرابي، فقال الاعرابي: وإنك لتلاحظني ملاحظة من يرى الشعرة في لقمتي؟ والله لا اكلت عندك ابداً، ثم خرج وهو يقول:


وكلموت خير من زيارة باخل
يلاحظ اطراف الاكيل على عمد

وكان هشام هذا وأبوه عبدالملك بن مروان من كبار البخلاء، ومن العيب اذا كنت تأكل، وجاءك انسان ان تسارع إلى اخفاء الطعام، أو تلوذ بالصمت ليحسب انك لست في دارك وقد هجا الاخطل هؤلاء، فقال:


قوم اذا أكلوا أخفوا كلامهم
واستوثقوا من رتاج الباب والدار

ومن المستحب ان تتحدث على الطعام اذا كان المجال ذا سعة، ولا ننشغل بالاكل وحده، قال النووي: ومن المستحب ان يتكلم ويتحدث الآكلون، ولا يشغلهم الطعام عن الكلام، واذا كنت الداعي انت، فيحسن بك اذا وجدت ضيفك قد فزع من طعامه ان تدعوه ليزداد اكلا، فربما توقف عن الطعام حياء، أو كان في نفسه ميل إلى الطعام فخجل، ومن العيوب الصارخة التي تنافي الآداب ما يفعله بعضهم من التجشؤ بعد الطعام، قال ابو جحيفة وهو احد الصحابة، اكلت ثريدا بلحم سمين، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وانا أتجشأ،فقال: اكفف عليك من جشائك يا ابا جحيفة، فإن أكثر الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة، فما اكل ابو جحيفة بعد ذلك بملء بطنه قط لئلا يتجشأ، كان اذا تغذى لا يتعشى واذا تعشى لا يتغذى.
ومن الواجب إذا فرغ الانسان من الطعام ان يحمد الله الذي يسر له من الصحة والمال والامن ما جعله يأكل، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اذا رفع مائدته قال الحمدلله كثيراً طيباً مباركاً فيه أو يقول: الحمدلله الذي كفانا و أروانا.
وقد عيب التطفل على الموائد: فتذهب إلى دعوة لم تدع اليها، وقد قالوا: احق الناس بلطمة من اتى طعاماً لم يدع اليه، واحق الناس بلطمتين من يقول له صاحب البيت: اجلس هنا، فيقول: لا، هاهنا.
وقد وردت احاديث كثيرة تحض على ان الرجل اقام وليمة، لا يخصها بالاغنياء وحدهم، بل يدعو معهم الفقراء، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بئس الطعام طعام الوليمة، يدعى إليها الاغنياء ويترك الفقراء «رواه البخاري ومسلم».
العفو عن الناس
ولكي تشتد اواصر المحبة بينك وبين قومك واهلك واصدقائك فمن آداب الاسلام ان تقابلهم دائماً بالعفو اذا صدر عن احد منهم اذى نحوك أو اساءة، ولا تعاملهم بمثل ما فعلوه قالت السيدة عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجزئ السيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح، وقالت: ما انتقم لنفسه الا ان تنتهك حرمة من حرم الله.
وكان يقول صلى الله عليه وسلم خذ العفو، وامر بالمعروف، واعرض عن الجاهلين، واوصى ان تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، وكان معاويه بن ابي سفيان يقول: ما وجدت لذة ألذ عندي من غيظ أتجرعه ومن سفه بالحلم أقمعه، وكان المأمون يقول: لو علم الناس محبتي في العفو لتقربوا الي بالذنوب.
مشاركة الناس في الأفراح والأحزان
ومن الآداب الاسلامية ما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يشارك اخاه في أفراحه و اتراحه، وان يعينه على تخطي مصائبه ومتاعبه، ويفرح لفرحه، ويحزن لحزنه، فيذهب مثلا لتهنئته في فرح اوتيه، أو عودة من سفر أو حج، أو زفاف له ولأولاده، ويعزيه اذا اصابته مصيبة، قال رسول الله صلوات الله عليه، ما من مؤمن يعزي اخاه بمصيبة الا كساه الله عز وجل من حلل الكرامة يوم القيامة «رواه ابن ماجة بإسناد حسن».
والتعزية هي التصبير، وذكر ما يسلي صاحب المصيبة، ويخفف حزنه ويهون ألمه، ومن مواساة من فقد احدا الخروج في تشييع جنازة من افتقده.
واوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم عيادة المريض، فقال: حق المسلم على المسلم خمس، فذكر منها عيادة المريض وطلب الشفاء له.
آداب الطرقات
ويبين رسول الله صلى الله عليه وسلم آداب الطرقات فقال: «غضوا الأبصار، وأفشوا السلام، وأهدوا الضال، وأعينوا الضعيف».
الحياء والمروءة
ومن الوصايا ان يجهد المرء على تعلم الحياء والمروءة ليسعد في حياته ويسعد الآخرين، اما الحياء فهو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم شعبة من الايمان، وقال: قلة الحياء كفر، وعن عبدالله بن مسعود: «كان آخر ما حفظ من كلام النبوة إذا لم تستح فاصنع ماشئت»، وقال الشاعر:


فلا وأبيك مافي العيش خير
ولا الدنيا، اذا ذهب الحياء
اذا رزق الفتى وجهاً وقاحاً
تقلب في الأمور كما يشاء

وقال آخر:


اذا حرم المرء الحياء فإنه
بكل قبيح كان منه جدير

اما المروءة فهي ألا تعمل في السر شيئاً تستحيي منه في العلانية «عيون الاخبار»، واول المروءة طلاقة الوجه، والثاني التودد، والثالث قضاء الحوائج، في الحديث المرفوع: قام رجل من مجاشع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ألست افضل قومي؟ فقال: إن كان لك عقل فلك فضل، وإن كان لك خلق فلك مروءة، وان كان لك مال فلك حسب، وان كان لك تقى فلك دين.
إياك والغضب
ومن الآداب الاسلامية كبح النفس عن الغضب، وقد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن ابي هريرة ان رجلا جاء إلى رسول الله فقال: يا رسول الله أوصني، فقال له: لا تغضب، ثم اعاد عليه، فقال: لا تغضب، ثم اعاد عليه فقال: لا تغضب.
ووصف رسول الله الغضب فقال: «إن الغضب، جمرة توقد في جوف ابن آدم، ألم تروا إلى حمرة عينيه وانتفاخ أدواجه؟»، فلا بد ان يملك الانسان نفسه وقد قال رسول الله صلوات الله عليه، «ليس الشديد بالصرعة «الذي يغلب الناس بالمصارعة انما الشديد الذي يملك أوداجه؛ نفسه عند الغضب».
ويكون تغلبك على غضبك بالحلم، تسمع ما آذاك أو ترى ما لحقك من سوء، وتملك نفسك ، فلا تثور، ولا تغضب كأن لم يكن وقع شيء، كان عروة بن الزبير وهو من كبار الفقهاء في المدينة جمع العلم والسيادة والعبادة، وكان يصوم الدهر كان اذا اسرع اليه رجل يشتم أو قول سيئ لم يجبه واعرض عنه، وقد اشتهر بالحلم كثيرون كالاحنف بن قيس، وقيس بن عاصم المنقري، ومعاوية بن ابي سفيان وغيرهم، ومن قرأ أخبارهم تعلم منها كيف يكون الحلم.
وفي الحديث النبوي «إذا غضب أحدكم فليسكت» رواه الامام أحمد.
التوسط في الأمور
ومن الوصايا في السلوك الاسلامي عدم المغالاة والتهور في الامور، بل عليك ان تتوسط في الأشياء، قال الامام علي - رضي الله عنه -، خير هذه الامة النمط الأوسط.
وفي الحديث المرفوع: ليس خيركم من ترك الدنيا للآخرة، ولا من ترك الآخرة للدنيا، ولكن خيركم من اخذ من هذه وهذه، فلا تغالي في التدين، ولا تغالي في اللهو، وفي علاقاتك مع الناس لا تكن منقبضا ولا مقبلا، فالانقباض مكسبة للعداوة، وافراط الأنس مكسبة للباطل، وقرناء السوء، ولا يزيد عقلك فيخرس لسانك، أو يزيد منطقك وكلامك فيؤدي بك إلى الخيفة والثرثرة.
وفي الانفاق والاعطاء، كن كما قال الله تعالى: { وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً }، وقال عز وجل { وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً }، فلا بخل ولا إسراف.
وفي حبك وبغضك لابد من التوسط، فالاغراق في الحب يعمي، ويفقد اللب، والاغراق في البغض ينغص العمر ويرهق الحياة.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved