الكارثة الإنسانية والخلافات السياسية

كارثة الزلزال الإيرانية مفتوحة على كل الاحتمالات وتحديداً الأرقام.. أرقام القتلى والجرحى والخسائر، وحتى يوم أمس كان القتلى 20 ألفاً وكان العدد بدأ بستة آلاف.. لكن معظم سكان المدينة مازالوا تحت الانقاض، وعلى سبيل المثال فإن مرضى وأطباء مستشفيين كاملين انطمروا تماماً مع أول هزة في هذا الزلزال الرهيب.
ويشكل الزلزال تحدياً جديداً آخر أمام العالم.. وقد رأينا العديد من الدول قد أرسلت بأطبائها ومساعداتها الى الموقع وآخرين يستعدون الى القيام بذلك، والحقيقة ان الابعاد المأساوية للكارثة قد تجاوزت كثيراً الحساسيات القائمة بين الدول، وهي حساسيات حالت قبل الكارثة دون التواصل الدبلوماسي والسياسي بين الدول، وهكذا فقد رأينا الولايات المتحدة وهي تمد يد المساعدة، وكل الدول أبدت استعداداً للاسهام في تخفيف المأساة دون الالتفات الى الملفات السياسية.
هذه المأساة تأتي والعالم قد بلغ شأناً رفيعاً من التقدم التكنولوجي، بما في ذلك الوسائل والمعدات الخاصة بمواجهة الزلازل وغيرها فضلاً عن وسائل الانتقال والاتصالات، ولهذا فقد بات لزاماً على الذين يمتلكون كل هذه الامكانات المتطورة أن يسمحوا بتدفقها وبالشكل السريع الى مواقع المأساة الحالية وكل القدرات دون أن تحول عن ذلك أية خلافات سياسية.
وقد تكون من المفارقات أن تؤدي مثل هذه الكارثة الى تفهم أكثر للناس بعضهم ببعض والى ادراك ان الانسانية بأكملها تحتاج الى ان يقف الناس مع بعضهم البعض وان يهرعوا متى ما ظهرت الحاجة الى تقديم العون فالكوارث تتجاوز في الكثير من الأحيان قدرات الدولة الواحدة أو عدة دول مجتمعة.
ولا ينبغي تجييش الجيوش فقط لتحقيق الأهداف السياسية، بل يتعين وضع كافة الامكانات بما في ذلك الجيوش لانقاذ الناس من الكوارث الطبيعية والأمراض الفتاكة ونوائب الدهر المتعددة.
ولعل تواتر هذا الفعل الانساني في التعامل والتعاضد ينبه العالم أجمع الى الحاجة الفعلية لتطوير النظر الى عالمنا وأنه يحتاج أكثر الى تجاوز المعوقات التي تكبل مسيرة البشرية الى بلوغ درجات عليا من التطور وان تتغلب النظرة من أجل ازالة المآسي على الأطماع السياسية التي تجعل الآخرين ينظرون الى ثروات وأراضي البعض على أنها أشياء مستباحة يمكن الحصول عليها بقوة السلاح والهيمنة على الشعوب بالامكانات المتفوقة دون امعان النظر الى أهمية وأولوية انتشال هذه الشعوب مما تعانيه من فقر وأمراض وجهل ومستويات متدنية من التعليم.
إن الارتقاء بحياة الآخرين سيعود في نهاية الأمر بالخير على المجتمع الدولي ككل، فانحسار الأمراض عن جزء معين من العالم يعني سلامة الأجزاء الأخرى، والرخاء بعد الفقر يعني تطلع هؤلاء الى الافادة من منتجات العالم المتطورة ما يعني المزيد من الازدهار.. وهكذا.