* رام الله- كتب نائل نخلة:
الأسير الفلسطيني بشير عويس أحتضر في المستشفى. كان من الواضح ان هذه هي ساعاته الأخيرة. لقد اضطجع فاقد الوعي في مستشفى هعيمق في العفولة، ولم يكن أحد من أفراد عائلته الى جانبه. عويس كان معتقلا في سجن مجدو، وهو ابن التاسعة والعشرين، من مخيم بلاطة للاجئين في نابلس، متزوج وأب لاثنين، ما زال يُفحص عن ظروف موته في تاريخ 8 من الشهر الجاري. فقط بعد ان هاتف أحد الأطباء من المستشفى بشكل سري، لئلا يُساء إليه، رابطة الاطباء من اجل حقوق الانسان، وتحدث عن المعتقل المحتضر بعزلة، ذعر رجال الرابطة وستدعوا أمه وزوجته لتأتيا الى المستشفى. وحتى ذلك الوقت لم يفكر شخص في استحضار العائلة، كما هو المعتاد فعله بين بني البشر. حتى في المستشفى، المكان الذي كان يجب ان تكون فيه الشفقة والانسانية القيمة الوحيدة، فإن الفلسطيني لم يعد يعتبر كسائر بني البشر.
ان مسيرة عدم أنسنة الفلسطينيين وصلت الى كل زاوية في المجتمع الإسرائيلي. ان ما بدأ في الجيش الإسرائيلي وفي "الشباك" واستمر مع أذرع السلطة الاخرى وفي الاعلام، الذي يعرض منذ سنوات، وبشكل مقصود، وفي الأساس الجانب العنيف للفلسطينيين - قد انتشر الآن في كل الأنسجة. فقط هكذا كما يبدو يمكن مواصلة الاحتلال والاضطهاد دون ان نكون قلقين أكثر مما يجب. عدم الأنسنة يتميز بتنكر لقيمة حياة الانسان.
في الاشهر الأخيرة لا يوجد تقريبا يوم دون قتلى من الفلسطينيين، عشرات في كل شهر، وغير قليل منهم هم من الأبرياء، وايضا في الفترة التي لا توجد فيها عمليات. ان قتل هؤلاء أصبح شأنا هامشيا في جدول الاعمال اليومي الإسرائيلي.
نفس التوجه الذي يبدو تجاه الكرامة الانسانية، الفلسطينية. يبرز بشكل خاص في نقطة الالتقاء اليومية - الحاجز.
حواجز الجيش الإسرائيلي، محطة الاتصال الأساسية مع الانسان الفلسطيني، قذرة، مهملة، غير مهندمة - واحيانا يذكر مرآها بمحطات بيع الحيوانات. هل فقط الاهمال هو الذي يؤدي الى ان يُجبر الجيش الإسرائيلي كل من يمر في الحاجز ان يخطو في القذارة، والقمامة، والاشياء المهملة، قبل ان يقوم أمام الجندي؟ ان الشخص الذي يمر في الحاجز يُقضى عليه منذ البداية ان يكون ذليلا وملوثا.
في حواجز الجيش الإسرائيلي، وهي الاماكن التي يُحكم على البشر ان يقضوا فيها ساعات واحيانا اياما، لا توجد مراحيض، أو مظلات أو صنابير مياه. يحظر على المسافرين الانتظار في حاجز رفح، الذي يستمر ساعات، ان يخرجوا من السيارات لقضاء حاجاتهم. في حاجز جنين، الذي يستمر الانتظار فيه قرابة خمس أو ست ساعات، رأيت قبل عدة ايام عجوزا معوقا قضى حاجته من داخل السيارة. ان بقعة المياه التي تجمعت تحت قدميه قالت كل شيء. لا توجد لهذا أي صلة مع الأمن.
ان من يوقف للفحص، ويوجد من هؤلاء كثيرون، يُحكم عليه بالجلوس على الارض، تحت المطر، في البرد أو في الحر، لساعات. لا يوجد حاجز في المناطق لا يُرى فيه اشخاص يجلسون ساعات على الارض، وبعضهم مقيد بالقيود.
نفس التوجه يوجه الى ملك ومتاع الفلسطينيين. ليست الاراضي فقط المصادرة بشكل أحادي الجانب، والاشجار المقتلعة، من غير سؤال، ومن غير إعلام، وكأنما كانت ملك الجميع، والبيوت التي تدمر كجزء من الروتين التنفيذي أو القضائي وجدار الفصل الذي يحدد مساره بشكل عشوائي.
ليست هذه فقط - وانما ايضا أشياء أصغر. ان من يترك سيارته في الحاجز، والذي لا يوجد فيه أبدا موقف منظم ويحظر تجاوزه بسيارة، يسجل له تقرير ب 500 شيكل. من السهل جدا مصادرة سيارة. في كل حاجز تقوم عشرات السيارات التي صودرت ولا يعرف أصحابها دائما لماذا صودرت. ان الاستخفاف نفسه الذي يلحظ في دخول الجنود الى البيوت السكنية وتصرفهم فيها، ويستمر في نشاطات الجيش الإسرائيلي التي يركزون فيها كل الرجال في الساحات، يعبر عن نفسه في نهاية الامر في الانتظار الطويل على الارض للفلاحين والطلاب، الى جانب أبواب جدار الفصل، في انتظار الجيب الذي يفتح سائقه لهم الباب، وفي توجه غالبية الجنود وفي أسلوب حديثهم.
|