Sunday 28th december,2003 11413العدد الأحد 5 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

التَّحذِير.. من (المُجَازفة بالتَّكفِير)..؟!! التَّحذِير.. من (المُجَازفة بالتَّكفِير)..؟!!
حمّاد بن حامد السالمي

* من الأمور البالغة الخطورة في هذا العصر، أمر (التكفير).. أعني تكفير المسلمين بأشياء لا تعد مكفرة في دين الله، فهذا ما تأتيه بعض الجماعات المغالية، تلك التي تنهج نهج الخوارج، وهي بفعلها هذا تقود الأمة إلى عواقب وخيمة، وتجر الناس كافة إلى مصائب لا تحمد عقباها.
* وفي مواجهة هذا الخطر الداهم، يبرز بين حين وآخر، باحثون ودارسون ثقات، ينافحون عن دين الله، ويدفعون عن عباد الله، بما أفاء الله عليهم من علم منير، وبصيرة نافذة، ومن واجبنا كَكُتَّاب أن نعرض لمثل هذه البحوث والدراسات المستنيرة الجيدة، حتى يطلع عليها من لم تصل إليه؛ فتكون هي مما يُتحرز به ضد أباطيل المكفرين، وهرطقات المنفرين، في أوساط الخاصة والعامة.
* إن ما أعرض له هنا في هذا المقال هو فائدة واحدة من فوائد المنتدى الثقافي (الطيب)، الذي يقام في دار الأستاذ (محمد سعيد طيب)، ذلك أن رواد هذا المنتدى الأسبوعي في رحاب جدة، يأتونه خماصاً ويغادرونه بطاناً..! وغالب ما يتبطنون عند المغادرة أفكاراً نيرة، وكتباً قيمة، ومعرفة جمة، في صحبة أطياف فكرية وثقافية وإعلامية لها قيمة مؤثرة في مجتمعها.
* ما طبيعة هذه الفائدة..؟
* إنها هذا الكتاب القيم، الذي ألفه الدكتور - بل الدكاترة - عمر بن عبدالله كامل: (التحذير من المجازفة بالتكفير)، ورغم أني لم ألتق المؤلف الفاضل إلا مرة واحدة، فما عرفته من قبل، إلا أني شعرت بعد قراءتي لكتابه هذا ولكتب ثلاثة أخرى له أهديت إليَّ من هذا المنتدى أني أعرفه منذ زمن طويل، فهو صاحب القدح المعلى في كشف ثقافة التشدد والكره والاقصاء، يتضح ذلك من كتابه القيم هذا، ومن أكثر من عشرة كتب أخرى، ومثلها بحوث ودراسات ومقالات، تعالج ظواهر التشدد والغلو والعنف والإرهاب، وتفضح تصنيف الناس وفرزهم على أسس مذهبية أو قبلية، أو شكلية في أحيان كثيرة.
* إن (الدكاترة) عمر بن عبدالله كامل، حاصل على درجتي ماجستير في الاقتصاد الإسلامي، وحائز على ثلاث درجات دكتوراه في الدراسات الاسلامية والشريعة والاقتصاد الاسلامي، وما يقدمه من دراسات في هذه الميادين مجتمعة، ناتج عن علم ودراية ودربة، وهو يكتسب ثقته من هذا الرصيد المعرفي والعلمي المقنن.
* وعودة إلى الكتاب الذي استمتعت بقراءته في العشر الأواخر من رمضان، فإنه مبني على ثلاثة فصول، ومباحث مفصلة على كل فصل، فالفصل الأول هو: (التطرف.. غلو وإفراط وتفريط) وفيه مبحثان: الأول: (ظاهر التطرف). والثاني: (آفات التطرف). أما الفصل الثاني فقد عالج فيه قضية (التكفير)، الذي يعد قمة الغلو، وذروة سنامه، وأخطر ظاهرة في التطرف.
* لقد اهتم المؤلف في هذا البحث القيم بتفنيد شبهات جعل منها أصحاب الاهواء مطايا وموجات يركبونها للوصول الى أهدافهم الخبيثة، من أجل تفكيك الأسرة، وتفتيت الجماعة، وإلحاق الهزيمة بالأمة، ونراه يتناول مظاهر الغلو والتطرف قائلا: (إن التطرف والغلو، علة لها أعراض ودلائل، وعلامات ومظاهر..) ثم يفصل هذه المظاهر في الآتي: (التعصب للرأي - التمحور حول الشخصيات والأحزاب والجماعات - التقليد الأعمى - سوابق الأفكار - الانطواء والتقوقع - النقص العلمي وعدم الاتزان الفكري - التجرؤ على الفتوى - الطعن في العلماء والتشنيع على المخالف - الجلافة والغلظة والخشونة - الفهم الخاطئ للسلفية - التزام التشديد دائماً).
* في مسألة (التجرؤ على الفتوى) وهي من أظهر مظاهر الغلو والتطرف عندنا يقول المؤلف: (.. من مظاهر الغلو وآفاته، التجرؤ على أحكام الدين، باصدار فتاوى التكفير، والتبديع، والتحليل، والتحريم.. ويُصدر هذه الأحكام من لا يملكون القدرة على فهم نصوص القرآن والسنة، وهم غير مؤهلين لاعقلا ولا شرعا لاستنباط الأحكام... ونتيجة للنقص العلمي، والفوضى الفكرية، تجرأ الكثيرون من هؤلاء على أحكام الدين، وظهرت فتاوى عجيبة غريبة ما أنزل الله بها من سلطان، وفيها تجرؤ على دين الله).
* ثم يقول المؤلف في هذا الشأن: (إن تكفير المسلم أمر خطير، يترتب عليه حل دمه وماله، والتفريق بينه وبين زوجته وولده، وقطع الصلة بينه وبين المسلمين، فلا يرث ولا يورث، وإذا مات لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولهذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الاتهام بالكفر أشر التحذير فقال: «أيما رجل قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما».
وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يرمي رجل رجلا بالفسوق، ولا يرميه بالكفر، إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك»، قال الحافظ بن حجر: وهذا يقتضي أن من قال لآخر: أنت فاسق، أو قال له: أنت كافر، فإن كان ليس كما قال، كان هو المستحق للوصف المذكور.
* وفي مكان آخر يتتبع المؤلف تاريخ نشوء فكر التكفير في أمة المسلمين، فيربطه بفئة الخوارج الذين ظهروا في فجر الإسلام.. يقول: (كانوا أشد الناس تمسكاً بالعبادة، ما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم». ومع هذا كله، فقد قال عنهم صلوات الله وسلامه عليه: «يمرقون من الإسلام، كما يمرق السهم من الرمية»، وقال كذلك: «يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم». وذكر أن من علاماتهم المميزة أنهم: «يقتلون أهل الإسلام، ويَدَعُون أهل الأوثان». وما وقع لطائفة الخوارج قديماً، وقع لأخلافهم حديثاً).
* وفي إطار ضبط المسألة في قضية التكفير، فإن صاحب الكتاب هذا يطرح ثمانية ضوابط علمية مهمة، تتمثل في الآتي على الترتيب: (فهم التثبت من نسبة الكفر إلى المسلم - العلم ومعرفة الشخص ومعرفة أفعاله على حقيقتها - توفر شرط العمل في الفعل الموجب - التحقق من قصد واختيار المنقول عنه الكفر - الحرية وانتفاء الإكراه في المسألة - أن لازم المذهب ليس بمذهب، أو التفريق بين الكفر الصريح والكفر الاستلزامي - ألا يحتمل الكلام معنى غير الكفر - التفريق بين المقالة والقائل).
* لا أود أن أسترسل أكثر من هذا في مقال هكذا، ولكني أقول في الختام: إننا نحتاج في هذه المرحلة، إلى هذا الكتاب الحُجَّة، وإلى مثله من الكتب والبحوث الجادة، التي تساعد الشباب عامة، وطلاب العلم خاصة، على فهم كثير من المسائل، وتجنب كثير من الشبهات، التي يستغلها أعداؤهم وأعداء الوطن عادة، في تفريقهم وتحطيمهم، وتقديم العشرات منهم، قرابين تذبح على أعتاب دعوات جاهلية، ونزوات شيطانية، لا علاقة لها بدين أو دنيا.

fax:027361552

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved