Saturday 27th december,200311412العددالسبت 4 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من أين أ تينا؟ من أين أ تينا؟
النماذج المجتمعية... الهجران أم الحياء؟
د. عبدالله بن ناصر الحمود(*)

ليست كثيرة هي المجتمعات الإنسانية التي استطاعت تقديم أطروحات نظرية رائدة لبناء الإنسان وعمارة الأرض، وأقل منها - كثيراً - تلك المجتمعات التي قدمت للبشرية أنماطاً من السلوك الإنساني المستنير الذي ساهم في تنمية الممارسات البشرية من أجل العيش الكريم، وأقل الجميع ذلك النوع من المجتمعات التي استطاعت أن تجمع باقتدار بين متلازمتين مهمتين في خلافة الأرض: النظرية والتطبيق. قد لا يدعو الأمر للتشاؤم والقول بعدمية البيئة الإنسانية الصالحة على مر العصور، ففي هذا جور على الذات لا تطيقه الذات نفسها، ولكن من المستقر أن التلازم بين رؤية منهجية ونظرية وفكرية من جانب وأسلوب وأدوات متقدمة من جانب آخر أمر يمكن وصفه بالنادر أو غير المتكرر اعتياديا في التجارب الإنسانية منذ بزوغ فجر التاريخ الإنساني. قليلة تلك العصور التي شهدت طفرة نموذجية في الفكر والممارسة، فللنزعة الإنسانية الجهولة دور محوري في تقليل تكرار تلك النماذج. لعل المجتمع الإسلامي في صدر الدولة الإسلامية يعد واحداً من تلك النماذج الرائدة، وقد يكون المجتمع الغربي في عقود الستينيات والسبعينيات طموحا لتحقيق شيء ما في هذا المجال، لكن ما يلبث الأمر أن يدنسه الهوى، وتؤذيه النفس الأمارة بالسوء. وعندما نلقي نظرة فاحصة على مجتمعنا السعودي المعاصر، نكاد نوقن بأن ثمة رغبة صادقة للمراهنة على التميز، وثمة محاولات جادة جداً لتقديم تجارب عملية فائقة المستوى تثبت صحة التوجه وسلامة الغاية المنشودة: بناء الإنساني وعمارة الأرض، من أجل تحقيق الغاية الكبرى للوجود الإنساني: عبادة الله تعالى. غير أن المتلازمتين المشار إليهما لا تجتمعان بالضرورة في كل محاولات المجتمع وتطلعاته من أجل النجاح، فعندما يبدع المنظرون بأطروحاتهم المفعمة بالتنظير، يصعب على الممارسين استيعاب واحتواء كل أو معظم ما يقال ويكتب، وحينما تتجلى ممارسات المبدعين وإنجازاتهم يغيب ثقل المرجعية التنظيرية والتنظيمية، والناتج في الحالين تدني حضور العمل المؤسسي والاستناد إلى التمايز الفردي بين أقطاب النظرية وأقطاب التطبيق، مما يعني الحاجة الفعلية - في هذا الزمان خاصة - إلى التوجه نحو الإفادة من النماذج الجاهزة من حولنا، ليس لنقلها كما هي، ولكن لتفعيلها بما يتفق ومصالحنا في مختلف المجالات. (النمذجة) فكر مجتمعي محترم، ومن خلال استقراء حال الشعوب الإسلامية المماثلة لنا في كثير من مركبات الأهداف والغايات، تبرز نماذج خارقة تمكنت في العقدين الماضيين أن تقدم مدارس رائعة في بناء المجتمع ونقله للمنافسة الدولية اجتماعياً، واقتصادياً، وثقافياً بشكل يثير الإعجاب والاحترام، ليس المحلي ولكن الدولي أيضا.
والسؤال المهم هنا: أليس من العقلانية أن تجمع كياناتنا المجتمعية السعودية بين التجربة المحلية الرائدة لسنوات خلت ولا تزال، وبين تلك النماذج المتاحة اليوم في عالمنا الاسلامي، لنضع طموحاً على طموح، فننشد بذلك الكمال البشري؟ ولعل مما يساعد في هذا التوجه أن عددا من عظماء تلك التجارب قد خلوا إلى مساكنهم بعد رحلة طويلة من التطوير والتنمية المجتمعية المتكاملة، فلم لا يكون لنا نصيب من استشارتهم وتوظيفهم للصالح العام؟ أخشى أن نكون قد أُتِينَا من فرط اكتفائنا بقناعاتنا الذاتية في مجريات فكرنا الثقافي والاجتماعي.

* عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved