تنطلق في رحاب مكة المكرمة.. ندوة الحوار الفكري في لقائها الثاني.. مجسِّدة ركيزة أساسية من الركائز التي قام عليها هذا المجتمع السعودي العريق بكل شيء فيه.
** والحوار في مجتمعنا.. جزء من ثقافته وأصالته وتاريخه.. وجزء مهم من وجوده.. وهو ثقافة وعادة لم تنقطع ولم تتوقف.. ولم يعتريها تراجع.
** بدأت مع عهد التأسيس.. تبنَّاها ورعاها الباني العظيم.. والقائد الملهم المحنك.. الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل - رحمه الله رحمة واسعة -.
** لقد نقلت لنا كتب التاريخ عن جلالته - رحمه الله - أنه في عام 1347هـ.. وتحديداً في شهر جمادى الأولى.. جمع أكثر من «800» شخص يمثلون العلماء والقضاة والدعاة وأئمة المساجد.. ورؤساء القبائل والأعيان.. وحاورهم حواراً مطولاً.. وسمع منهم وأسمعهم.. وامتد الحوار حتى خرج الجميع وهم أكثر سعادة وأكثر غبطة.. وقد أرَّخوا لهذا الحدث العظيم الذي لم تعرفه ولم تشهده آنذاك.. أية دولة في الشرق على الإطلاق.. بل كان سمة لهذا الكيان العظيم.
** لقد قرأنا عن هذا الحوار الذي تم قبل حوالي القرن من الزمان.. وقرأت كلمة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - فيه وتفحَّصتها كلمة كلمة.. ووجدتها كلمة صادقة نابعة من قلب إنسان كله إيمان وتقوى.. وكله حب لرعيته.. وكله إخلاص لمواطنيه وأهله.
** كلمة مفعمة بروح الإسلام.. كل حرف فيها ينطق بالإيمان والحب.. وفوق ذلك.. بالوعي والإدراك والمسئولية..
** كلمة سبقت زمنها بعقود.. كلمة تؤسِّس وتمنهج لأسلوب حوار فريد متميز بين الراعي ورعيته.. وتجعله جزءاً من ثقافة ووجود هذا الكيان.
** واليوم.. يمتد هذا الأسلوب الفريد المتميز في هذه البلاد.. ليلتقي العلماء والفقهاء والمثقفون والمفكرون والأكاديميون ليتحاوروا ويناقشوا أوضاع بلادهم.. ويتناولوا شئونهم وشجونهم تحت مظلة هذا المركز الوليد «مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني» وهو مركز حديث التنشئة..ليحتضن هؤلاء النخبيين.. ليوفر لهم الأجواء ويشحذ عطاءاتهم وإبداعاتهم.. ويتيح لهم مناخات حرة من الحوار الحر.. ويرعى كل قول صائب.. ويمد الجسور ويمتِّنها ويقويها.
** مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني.. وإن كان وليداً.. ويشهد ثاني لقاءٍ حواري.. فهو امتداد لحوارات ولقاءات ومناقشات تمَّت في سنوات خلَت.. رعتها قيادتنا الرشيدة.. وأتت ثمارها في كل اتجاه..
** إن الذي يقرأ سيرة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - ويقرأ ما كتبه المؤرِّخون عنه - يدرك أن حياته رحمه الله.. كلها تؤسِّس للفكر الحواري.. وأنه حاور كل الناس.. وكل الثقافات الموجودة.. ابتداءً من العلماء الكبار.. وانتهاءً برجل الشارع البسيط.. الذي حاوره عبدالعزيز وفهم ما عنده وماذا يريد.. وما هي همومه.. وجعله يعيش في رغد العيش.
** حياة عبدالعزيز - رحمه الله - كانت كلها حافلة بالعطاء.. ويشهد كل من حوله.. أنه منذ يصلي الفجر وحتى يخلد للراحة بعد العشاء بقليل.. وهو في حوار لا ينقطع مع مواطنيه بكل أطيافهم وثقافاتهم..
** مجلسه.. عامر بكل هؤلاء.. لا يفقدهم ولا يفقدونه.. لا يغيب عنهم ولا يغيبون عنه.. كل إنسان في هذا الوطن كان قريباً من عبدالعزيز.. وكانت مجالسه.. عامرة حافلة بحوارات تمتد أحياناً.. لساعات.. منها ما أُرِّخ ونُقل وسُجِّل وقرأناه.. ومنها ما اندثر وذهب مع الزمن وقصّر المؤرِّخون في نقله..
** غير أن الذين جالسوا عبدالعزيز وحاورناهم فيما بعد.. نقلوا لنا شيئاً من ثقافة مجلس عبدالعزيز.. والتي تبدأ بالحوار وتنتهي بالحوار.. ولهذا.. نحن لا نستغرب أن يأخذ اسم هذا المركز الجديد.. اسم هذا القائد العظيم.. الذي له فضل كبير علينا كلنا.
** إن حواراتنا ونقاشاتنا وهمومنا الفكرية وسائر آمالنا وتطلُّعاتنا.. وآلامنا أيضاً.. يجب أن تناقَش تحت مظلة هذا المركز.. وأجزم أن هذا المركز الذي وُلد وبدأ قوياً.. سيحتضن كل ذلك..
** كما أجزم.. أنه سيتوسع وسيعطي وسيحتضن كل ما في جعبتنا.. بل سيشحذ الهمم.. وسيشجع على العطاء.. وسيكون منتدى كبيراً..
** فقط.. علينا أن نتواصل معه.. وأن نسهم بكل ما نملك لإنجاحه.. وأن نسعى للتفاعل ومدِّ كل الجسور معه.. وأن نساعد على استمرار عطائه.. وأن نعمل سوياً.. حتى نراه منارة كبرى.. يتميز بها هذا الوطن.
** هذا المركز العظيم.. هو لمسة أخرى من لمسات صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز.. ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني حفظه الله.. بعد تلك اللمسة الأولى «مهرجان الجنادرية» الذي احتضن الإبداع العربي والإسلامي طوال عقدين من الزمن.. ووجد فيه كل مبدع عربي ومسلم.. بل وكل منصف ومخلص وصادق..وجد فيه.. المنبر الحر.. وصار هذا المهرجان.. واحداً من أبرز المهرجانات العالمية.. الذي يشار إليه بالبنان.. شرقاً وغرباً..
** ولهذا.. فإننا.. نتوسَّم في هذا المركز الوليد الجديد «مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني» أن يكون منارة كبرى.. وملتقى واسعاً.. ومنبراً عظيماً لاحتضان نتاج العقول.. فكراً وعطاءً.. وآراءً.. ونقداً.. وكل ما يعن للمواطن..
** الناس كل الناس.. تتجه اليوم لهذا المركز.. وتجزم.. أنه سيعطي بسخاء.. وأن الأيام.. ستثبت تفوُّقه.. وأنه نقطة تحوُّل أخرى.. تجمع الأفكار الشاردة هنا وهناك.. وتقوْلبها في قالب واحد.. يصب في مصلحة الوطن.
** إننا كمواطنين.. نتطلَّع لحوار مكة.. بعد أن أثبت حوار الرياض نجاحه.. وبعد أن أثبت هذا المركز تفوُّقه.. وأنه قادر على استيعاب كل رأي.. وكل فكر.. وكل لون..وكل طيف مهما كان.. المهم.. أنه من الوطن إلى الوطن.. ومن المواطن إلى المواطن..
** نحن نحيِّي هذا المركز الوليد.. ونشدّ على يد رجاله.. وعلى رأسهم.. الصديق النشط المتجدد والمتفوِّق دائماً.. الأستاذ فيصل بن عبدالرحمن المعمر.. أمين عام المركز وسائر رجالات المركز.. ونقول.. نحن معكم.. وكل مواطن مخلص معكم.. وكلنا رجالات للمركز.. وأعوان لكم.. وفقكم الله وسدد على الدرب خطاكم.
|