تدل الأمثلة الجارية في الأمة على اتجاهها النفسي وذكائها الشعبي، وعلى أنها راشدة أو قاصرة، حساسة، أم بليدة، ومن أجمل الأمثال التي عثرت عليها مثل هندي يقول: «لا تضرب الأعرج» ويقاله مثل صيني يقول: «احترم العبء».
وهذان المثلان يدلان على النفس الطيبة، تلك النفس التي لا تمتاز بالمهارة والذكاء ولكنها تمتاز بالعقل الحساس الذي ينزع بصاحبه إلى المروءة والشهامة في غير قصد إلى مصلحة ذاتية أو مأرب خاص.
وفي عصرنا هذا حيث يحيط بنا جميعاً جو من المباراة، ويغشانا روح من النهب والخطف، نحتاج أشد الحاجة إلى الإنسان الطيب الذي يذكرنا بالمروءة والشهامة.
يقول المثل الهندي: «لا تضرب الأعرج» أي «لا تستغل عجزه كي تنتفع بقوتك فتقهره وتستعلي عليه، ويدعونا المثل الصيني إلى أن نحترم العبء فيجب أن نقف كي يجلس الرجل المسن، بل يجب أن نخفف عن الحيوان بعض أعبائه، ولا نثقل عليه بحملنا فوق عبئه.
ويجب أن تكون لنا نفس حساسة، فلا نقول للفقير أنه عاجز، ولا للعانس أنها دميمة، ولا نسب الخادم، ولا نحتقر الضعيف الواهن، وهذه كلها عادات نعزوها إلى المروءة والشهامة وهي لا تحتاج إلا أن نكون طيبين.
إن الشباب هذه الأيام يطلبون النجاح أو ينشدون السعادة، وهذا متوفر، ولكن بشرط ألا ينسوا الطيبة، حتى ولو اعترضت سبيل النجاح والسعادة، وعاقته بعض الشيء فقد ننجح ولكنا نبقى مع ذلك أوباشاً أخساء.
وقد نتوهم السعادة مع أننا لا نتمتع إلا بما يتمتع به الحيوان من ملذات مادية، ولكن الطيبة هي صفة النفس الإنسانية، أي النفس النفيسة التي تعلو على النجاح والسعادة، بل هي في آخر الأمر أسمى أنواع النجاح والسعادة.
ونحن قد نستغش الذكي الناجح، ولكننا نأتمن الرجل الطيب في أي مكان، لأن الأول قد يكون أنانياً وصل إلى غايته بالعدوان والخطف، أما الثاني فقد مارس المروءة والشهامة، واستضاء بالحب، وربى نفسه على الإحساس بآلام الآخرين.
|