تحقيق - هيفاء الهلالي
تعتبر المرأة السعودية جزءاً لا يتجزأ من روح الأرض الكريمة التي تحيا فوق ترابها وأن ما غرس في نفوس أبناء وبنات هذه الأرض من مبادئ وقيم هو انعكاس لما نشاهده من تطور وازدهار لهذا البلد الكريم الذي وفر أقصى ما يحتاج إليه المواطن والمواطنة.
وكذلك فإن التخطيط السليم للنهوض بالفرد وسط الجماعة إنما هو تطبيق لشرع الله، وابنة هذه الأرض سواء التي نالت حظها من التعليم أو التي لم تنل ساهمت في تطوير وطنها من ناحية والحفاظ على نفسها من ناحية أخرى بالسعي بالسبل المشروعة لتطوير حياتها ومصدر رزقها سواء بالوظيفة أو بالهواية، ومن أبرز ما انتشر في الآونة الأخيرة على صعيد المجتمع النسائي فئة سيدات الأعمال ولكن بطريقة مختلفة عن امتلاك المؤسسات والشركات إلى العمل من المنزل والكسب الجيد والإبداع الذي يواكب احتياج العصر ويفيد الفرد والمجتمع.
فكرة الاحتراف
أم أحمد ربة منزل وأم لستة أطفال «أيتام» حاصلة على الشهادة الدراسية المتوسطة تقول:
احترفت الطهي كمهنة لحفظ ماء الوجه وتربية أطفالي ففتح الله لي أبواب الرزق المشروعة وكف يدي عن حاجة الناس فكان كل من يتذوق طبخي يشيد به وبلذة مذاقه مما حفزني في بداية الأمر إلى بيع بعض الحلويات الموسمية كالمعمول والغريبة والدبيازة ولكن مع الوقت وجدت إقبالاً من المجتمع حولي وبدأت ببيع الأطباق الشعبية ومن ثم إلى طهي المأكولات اللبنانية والبخارية والصينية والجاوية والحلويات بجميع أنواعها وبيعها بالاتفاق مع الزبونة مسبقا على السعر.
أما أم وليد ربة منزل وأم لخمسة أطفال وزوجة لرجل متقاعد فتقول:
أبدعت في الأشغال اليدوية والحياكة منذ الصغر وتركزت موهبتي في استغلال الخامات البسيطة في ابتكارات فنية جميلة متناسقة فتعلمت الاقتصاد والاستفادة من كل شيء حولي خصوصا أن راتب زوجي المتقاعد لا يكفي متطلبات الحياة فساندت بتلك الأعمال الفنية وبعمل المفارش والستائر وصناديق السجاجيد وتطريز شراشف الصلاة والمفارش الخاصة بالأواني والخاصة بالطاولات وعلب المناديل وسلة خاصة بجهاز التليفون والسلال وتلبيس المخدات والدفاتر والمفكرات وغيرها من صنع الإكسسوارات والحقائب الجلدية والقماش.
خطط ودراسات
تؤكد أم أحمد ضرورة وضع خطة لكل خطواتها حيث تقول:
طبعاً لا شيء يكون عشوائياً خاصة في ظروفي كأرملة، لأنني أفكر ألف مرة قبل أن أغامر بالريال فلابد أن أتأكد أين سيذهب وماذا سأستفيد منه لأنني ملزومة بأيتام، لذلك فلابد لكل خطوة أخطوها من دراسة مسبقة وأقوم بالتعديل والإضافة ألف مرة حتى قررت التعامل مع المجتمع بتلك المأكولات التي استثمرتها بقياس قيمة الشراء والجهد الجسدي بمدى الربح وعلى هذا الأساس يكون السعر حلالاً ومنطقياً ومقبولاً فالأطعمة التي تتطلب جهداً ومواد كثيرة يرتفع سعرها عن تلك البسيطة، والنساء يعرفن قيمة الأشياء والجهد المبذول خاصة أنني أتعامل مع نساء عاملات وموظفات يردن اللقمة الهانئة والنظيفة دون جهد بسبب ضيق وقتهن كما أن المعجنات والأطعمة الأجنبية يرتفع سعرها بحكم صعوبة عملها وندرة البهارات التي أضطر أحياناً لأخذها من الخارج عن طريق بعض الأقارب خصوصا الصينية والجاوية، كما أن الزبونة التي تطلب في وقت ضيق طبقاً معيناً، أضطر إلى رفع السعر مراعاة لجهدي المكثف وتفرغي لها دون غيرها.
أما أم وليد فتؤكد: أن الخطة الجسدية والمادية أحد أهم العوامل التي تقدم العمل الفني الجيد وتحدد السعر فمن دون تقنية لما يحتاج إليه كل عمل ومدى تناسبه مع ذوق الزبونة وقدرتها المادية على الدفع فلن أستطيع إعطاء العمل المناسب لها، لأن هناك نساء لا يرضيهن سوى الأشياء الفاخرة التي تتطلب جهداً مادياً وجسدياً كبيراً ليكون المنتج نادراً ومميزاً وهنا يرتفع سعر الخامات ويرتفع بدوره السعر ولله الحمد فإن الإنتاج الفني الجيد وانتقاء الألوان الجميلة ومواكبة الذوق العصري ساهمت في تقبل الزبونة للسعر دون نقاش.
نظرة المجتمع
وعن نظرة المجتمع تضيف أم أحمد قائلة:
لم أكن أتوقع بأن المجتمع حولي سينظر إليَّ تلك النظرة الممتلئة بالاحترام والتقدير لعدة أسباب منها براعتي في الطهي وهذه البراعة هي التي تطمح إليها أي ربة منزل للدلالة على مهارتها وأنوثتها وكذلك لأنني أسعى على أيتام لتربيتهم أفضل تربية كل ذلك رفع شأني بين الناس خصوصا أنني لست كبيرة في سني وفرص الزواج أمامي وفرص الشر أيضاً وكلاهما يوفران المال عوضا عن الجهد المبذول في مهنتي هذه.
وتعلق أم وليد حول نظرة المجتمع قائلة:
إن منتجاتي الفنية سواء في الحياكة والتطريز أو في صنع الاكسسوارات والتصميمات الفنية دفعت الكثيرات للتعامل معي واحترام ذوقي دون نقاش منهن بل لجأ الكثير من المدارس الى التعاقد معي لوضع اللمسات الفنية في تنسيق المدارس.
تطوير العمل
لابد أن يطور الإنسان من نفسه هذا ما أكدته أم أحمد قائلة:
أما أن يكون الإنسان جامداً حول نفسه دون الوعي بما حوله فهذه بداية النهاية فكون الإنسان يقف حيث يتخطاه الآخرون لن يجد فرصة للحياة الصحيحة على هذا الوضع وأن المهنة صغرت أم كبرت تحتاج إلى تطوير بالقراءة والتواصل مع الناس ففي مهنتي هذه كان الاطلاع على العالم المحيط بي دافعاً لتقديم المأكولات الغريبة واللذيذة للشعوب الأخرى ليكون هناك جذب نحو التغيير والخروج عن المألوف والمذاق اليومي وهذا سبب قوي للتعامل معي.
أما أم وليد فترى أن الجمود سبب رئيسي للكسل وعدم الإنجاز والدوران في حلقة مفرغة وتواصل: إن اهتمامي بمهنتي التي هي سندي بعد الله أفضل ما قدمته لمستقبل أسرتي لأن البحث وراء الجديد والتطوير ومحاولة التجديد والابتكار يجعل الإقبال كثيراً لالتقاط المعروضات الخاصة بي لدرجة أصل إلى العجز في توفيرها للجميع في وقت واحد، كما أنني قد قرأت كثيراً عن الأعمال الفنية وأصولها وطريقة تمازج الألوان وانعكاسها على الناحية النفسية وتناسبها حسب الشخصية كل ذلك دفعني الى الأمام والرقي بكل ما تصنعه يدي ويبتكره عقلي.
الشمولية والمواسم
أم أحمد تنظر إلى اختلاف الفئات التي تتعامل معها بفخر قائلة:إن كل ما تنتجه يدي يصل للجميع من الموظفات اللواتي يطلبن المأكولات الجاهزة أو بعض المعجنات المجمدة أو الحلويات حتى إن هناك بعض النساء يطلبن أصنافاً معينة لرغبتهن في النكهة البيتية للطعام بعيداً عن مذاق المطاعم والوجبات السريعة، وطبعا هذا يتم عن طريق ولدي أحمد حيث خصصت له رقماً لاستقبال الطلبات، كما أن ربات البيوت يطلبن أصنافاً كثيرة من الطعام فترة العزائم والأعياد وفي وقت السحور والفطور في شهر رمضان الكريم، فلم تقتصر الطلبات على فئة دون أخرى بل وصلت إلى المساهمة في الأطباق الخيرية من قبل المؤسسات والجمعيات الخيرية.وتتفق أم وليد معها بأن شمولية العمل مع الكبار والصغار على حد سواء مع العرائس وربات البيوت ومعلمات وطالبات المدارس وحتى المحلات التجارية، إذ إنني أقوم بتزويد بعض المحلات التجارية بالإكسسوارات والحقائب الجلدية والمفارش وشراشف الصلاة والستائر والأباجورات الملبسة، كما أن هناك شمولية لجميع الفصول حيث أصنع جوارب الأطفال الصوفية وبيوت الرضاعات والملابس الصوفية في فصل الشتاء وكذلك هو الحال في فصل الصيف والأعياد حيث تكون المناسبات والأفراح التي تستدعي التغيير والابتكار والتجديد..
شروط النجاح
تتفقان كلاهما على أن من أهم شروط النجاح الصبر والمثابرة والدقة واللطف في المعاملة وعدم استعجال الربح والتجديد والابتكار والأمانة والصدق مع الله ثم مع الآخرين وهذا سبب كافٍ لامتلاك كل واحدة منهما لبيوت ومحلات تجارية.
وتقترحان أن يكون هناك معرض لربات البيوت ويكون شاملاً لجميع الأطباق والأعمال الفنية ويا حبذا لو يشمل ذلك التنشيط السياحي الصيفي مع ضرورة مكافأة أولئك النسوة اللواتي حافظن على استقامتهن وأسرهن بالمثابرة واستغلال المواهب والطاقات الكامنة فيهن ليضربن بذلك مثلاً رائعاً يحتذى به للمرأة السعودية في ظل الشريعة الإسلامية.
وأخيراً فإن هذه الفئة من النساء ثابرن وضحين ليكون لهن دعم اقتصادي حقيقي لاسيما أن هناك متعلمات أيضاً ومن دون وظائف قد استثمرن معرفتهن بالكمبيوتر في عمل البرامج المختلفة والأبحاث وأيضاً في طبع بطاقات الدعوة للأفراح بطريقة فنية رائعة الصنع وهذا قد يؤثر في سوق المطابع في المستقبل القريب خصوصا أن الأسعار رخيصة هذا عدا البراعة في التغليف وبذلك تكون المرأة السعودية عونا اقتصاديا لأسرتها حتى لو كانت بلا شهادة أو وظيفة.
|