Friday 26th december,200311411العددالجمعة 3 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

لأجل مستقبلنا الصناعي لأجل مستقبلنا الصناعي
المهندس : فيحان بن دعيج العتيبي

في صيف 2001م قمت - ضمن فريق عمل - بزيارة لبعض الدول الأوروبية، وكانت من ضمن تلك الدول فنلندا، ذلك البلد الذي يقع في أقصى الشمال الأوروبي ويتكون من العديد من الجزر التي تغمر بعضها المياه في أجزاء من السنة، إضافة إلى ظروف بيئية شديدة البرودة تحدُّ من نشاط سكان لا يتجاوز عددهم خمسة ملايين نسمة، كما أن البلد لا يملك من الموارد الطبيعية المنافسة سوى الغابات المتميزة التي يطلق عليها أهلها «الذهب الأخضر»، ناهيك عن أنه يتجاذبه عدد من الثقافات: الثقافة الأوروبية بحكم الانتماء والروسية المجاورة والأمريكية المولع بها شريحة كبيرة من الشباب، إلا أنه وعلى الرغم من ذلك كله يملك صناعة وتقنية في عدد من المجالات على سبيل المثال صناعة وتقنية الاتصالات التي جعلته يغزو الأسواق العالمية ليحقق أكبر حجم من المبيعات فيها!! وهذا التميز يدفع المرء إلى طرح ذلك السؤال البدهي.. كيف استطاع هذا البلد الصغير - رغم شح الموارد وقلة عدد السكان - تحقيق هذا النجاح الكبير؟ وكيف لنا أن نستفيد من تجربته الرائدة بالإضافة لتجارب بعض الدول الأخرى مثل كوريا الجنوبية وتايوان وماليزيا خصوصاً في الصناعات الخفيفة، أو إسبانيا التي تعتبر من متوسطي الدول الأوروبية اقتصاداً إلا أن صادراتها تشكل فيما مجموعه صادرات الدول العربية!! لا شك أن الإجابة عن هذه الأسئلة ليست من السهولة بمكان، حتى وإن بدت من الناحية النظرية أنه يمكن تصورها، غير أنها من الناحية العملية تتطلب الكثير من الجهود المتضافرة والدؤوبة لتحقيق هذا الحلم العظيم.
نحن ما زلنا نستورد جل احتياجاتنا ابتداء من الطائرات إلى أعواد تخليل الأسنان!! مروراً بألعاب أطفالنا التي يذكر لي بعض من زاروا تايوان أن هناك مجمعات صناعية متخصصة في صناعتها لنا.ونحن في هذا الأمر شأننا شأن دول العالم الثالث التي قبلت بأن تكون دولاً مستهلكة على الرغم من امتلاكها لأهم مقومات التفوق ممثلة في الموارد الطبيعية والعقول البشرية التي هاجر بعضها بحثاً عن بيئات مناسبة لإخصابها!!. إذاً كيف لنا الخروج من دائرة الاستهلاك إلى الاكتفاء الجزئي ثم الاكتفاء الكلي ومن ثم التصدير على الأقل لبعض الصناعات الخفيفة، ولاسيما أن لدينا تجربة في مجال صناعة البتروكيماويات تستحق الإشادة بها على الرغم من محدودية أنواعها.. فقد غزونا الأسواق العربية والعالمية في ظل المنافسة الشديدة.. بل إنه في بعض الدول العربية يفضل المستهلكون المنتجات السعودية على غيرها وذلك لجودتها ومنافسة أسعارها.
إن ما تبذله الهيئة العامة للاستثمار من جهود لهو عمل بدأ يؤتي ثماره حيث بدأت الهيئة تمنح تراخيص لمشاريع استثمارية في عدد من الأنشطة وذلك انطلاقاً من مهامها المناطة بها، إلا أننا ما زلنا نتطلع للمزيد ولاسيما في بعض الصناعات الإستراتيجية، فمثلاً لماذا لا يكون لدينا مصنع لسيارة سعودية نفخر جميعاً باقتنائها ونستهدف السوق الإسلامية لبيعها؟ ولماذا لا يكون لدينا مصانع للرقائق الإلكترونية ونحن نملك المواد الأولية لها؟ ثم أليس من الممكن أن يكون لدينا مصانع لبعض الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية والتي تغص أسواقنا بشتى الأنواع منها يفتقد معظمها لأقل درجات الجودة؟ وإلى ما هنالك من المنتجات. هل نحن لا نملك رؤوس الأموال الكافية؟ لا أعتقد. هل نحن ليس لدينا كوادر مؤهلة ولو بأعداد بسيطة؟ لا أظن. هل تلك المنتجات معقدة من الناحية التقنية؟ لا أعتقد أن الأمر صعب إذا توفرت الإرادة الجادة ثم إن معدلات الاستهلاك على مستوى الفرد لدينا تعتبر من أكبر معدلات الاستهلاك في العالم. إذا كيف نبدأ؟
في اعتقادي أن أهم خطوة يجب علينا القيام بها قبل كل شيء هي إيجاد خطة وطنية استشرافية لمستقبلنا الصناعي، يتم بموجبها تحديد أهدافنا الصناعية بعيدة المدى ومتوسطة المدى بالإضافة لاشتمالها على الآليات المناسبة لتحقيق تلك الأهداف، على أن تراعي تلك الخطة المقومات التي تضمن تميزنا في بعض المنتجات، ويجب أن تحتوي تلك الخطة على مراجعة للمناهج العلمية لطلابنا في جميع المراحل وكذلك ضرورة دراسة إنشاء مركز وطني للترجمة العلمية يتولى ترجمة الكتب العلمية للغة العربية فاللغة هي قالب الفكر والتقدم ولعل تجربة اليابان وكوريا والصين أكبر دليل على ذلك، هذا إلى جانب ضرورة أن يكون من ضمن ميزانيات قطاعاتنا الحكومية بند لدعم البحث العلمي أو على الأقل ضمن اعتمادات المشاريع الحكومية، حيث ليس من الأفضل حصره في مراكز محددة، فالبحث العلمي هو الركيزة الأساسية للتطور وهو البوابة الحقيقية للإنتاج الصناعي، وخصوصاً أن القطاع الخاص لدينا ما زال متأخراً في مجال دعم البحث العلمي فيما عدا محاولات بسيطة جداً. هذه بعض النقاط التي يجب مراعاتها في الخطة الوطنية الصناعية، إن صح التعبير، والمقام لا يتسع لسرد جميع النقاط وهو متروك للجميع مع إدراكنا أن مهام الهيئة العامة للاستثمار تتضمن بعض تلك الآليات إلا أننا لم نسمع عن خطة استشرافية لمستقبلنا الصناعي.
إنني أجزم أن الجميع وعلى كافة مستوياتهم يشتركون في هذه الطموحات والأحلام ومن ضمنهم أعضاء مجلس الشورى.. إلا أننا جميعاً نتوقع من أعضاء المجلس الكرام تبني مثل هذه الطموحات والسعي لتحقيق تلك الأحلام ولاسيما أنهم جميعاً يتكئون على رصيد من التجارب الحافلة، وكذلك يمكن إشراك الهيئة العامة للاستثمار في إعداد هذه الخطة. فنحن نعيش اليوم في عالم لا وجود فيه على خارطة التأثير لغير الصناعيين.. فهل نرى خطة وطنية لأجل مستقبلنا الصناعي قريباً يتضافر الجميع في إيجادها ليتم اعتمادها من قيادتنا الرشيدة. هذا ما نأمله والله الموفق.
أخيراً، حمى الله بلادنا من كل مكروه.. والسلام..

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved