Friday 26th december,200311411العددالجمعة 3 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

منبر المسجد: تجديد وعطاء منبر المسجد: تجديد وعطاء
علي التمني

لماذا المنبر؟ والجواب معلوم، ولكنني سأجتهد في بيان علة وجوده - كما بين ذلك العلماء عبر التاريخ الإسلامي - فأقول: لقد كان المنبر متصلا بالمسجد اتصال العين بالنظر والأذن بالسمع والحياة بالروح، فلا فكاك بين الاثنين، وإذا كان المسجد هو القلب النابض للمجتمع المسلم في أي موقع ومجتمع فإن المنبر هو قلب المسجد، وإذا كان من المعلوم بالضرورة أن المسجد مكان تؤدى فيه الصلاة وتبين فيه أحكام الإسلام وتعاليمه وآدابه وقيمه، فإن المنبر هو أخطر جزء في المسجد وأعظمه في القيام بذلك الدور، وإذا كان المسجد قد عرف بأنه منطلق الإشعاع الاجتماعي والفكري والجهادي، فإن المنبر أساس كل ذلك، كيف لا؟؟ وخطبة الجمعة التي هي واجبة الأداء من فوق المنبر التي ترتبط بصلاة الجمعة التي هي كفارة لما بينها وبين الجمعة التي سبقتها وحضورها واجب شرعي، هذه الخطبة محلها ومنطلقها المنبر، حيث استحال التفريق بينها وبينه، حتى غدا المنبر هو الخطبة والخطبة هي المنبر، ولقوة تأثير منبر المسجد في المجتمع غدا رمزاً للعلم والتوجيه والدعوة والإصلاح الفكري والاجتماعي والسياسي والاقتصادي، أي غدا الأصل الذي يرجع إليه في قضايا المجتمع كافة.
إن المسجد في الإسلام ليس مقرا للصلاة المكتوبة فقط - على عظمها - بل هو الجامعة والمركز الثقافي والمنتدى السياسي والحلقة العلمية.. إلخ، أي أنه شامل شمول الإسلام، فاعل فاعلية الإسلام، دائم في القيام بدوره ديمومة الإسلام، وبما أنه كذلك فلا يصح تبعا أن يقال: إن المنبر يصلح لكذا، ولا يصلح لكذا، يصلح للوعظ المتعلق بالعبادات ولا يصلح لبيان أثر هذه العبادات في الحياة، وما تقتضيه هذه العبادات، يصلح لبيان الحلال والحرام في مسائل محددة، ولا يصلح لبيان الحلال والحرام في مسائل أخرى، مع أنها كلها دين، وكلها مسائل لا يصح فيها السكوت، ولا يجوز حيالها التفريق، ولم نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بين مسألة وأخرى فيما يتعلق ببيان حكمها، بل لقد علم بالضرورة من هديه صلى الله عليه وسلم أنه قد بلغ الرسالة كاملة وأدى الأمانة، فبين ما هو حلال وما هو حرام، وبين لأمته ما يجب وما يستحب، وما يحرم وما يكره، كل ذلك من فوق منبر المسجد، ثم تلاه وتأسى به من بعده خلفاؤه الراشدون رضي الله عنهم وبقية الصحابة رضي الله عنهم وسارت الأمة على هذا النهج جيلا إثر جيل، وسيظل الحال على هذا النهج إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
إن المحاولات اليائسة لتفريغ المنبر من مضمونه وحرفه عن رسالته لن تنجح أبداً وذلك لأن ديننا محفوظ بحفظ الله له، وما دام كذلك فإن دور المسجد والمنبر سيظل محفوظاً، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإنه ليس في ديننا فصل بين المسجد والحياة، ولا بينه وبين المجتمع ولا بينه ومختلف المناشط الحياتية فكرا وسياسة وأدباً وثقافة واجتماعاً واقتصاداً.. الخ، بل إن الله تعالى قد بين لنا أن كل حياة المسلم لله رب العالمين قال تعالى: {قٍلً إنَّ صّلاتٌي ونٍسٍكٌي ومّحًيّايّ ومّمّاتٌي لٌلَّهٌ رّبٌَ العّالّمٌينّ لا شّرٌيكّ لّهٍ وبٌذّلٌكّ أٍمٌرًتٍ وأّنّا أّوَّلٍ المٍسًلٌمٌينّ}.
أما ما يتعلق بالمسلم في عالم اليوم فهو أشد ما يكون حاجة للمنبر والمسجد في حياته في وقت اختلطت فيه المفاهيم وتلاطمت فيه الفتن واشتدت وطأة اجتياح الأفكار المنحرفة والملحدة واختلت فيه الموازين وأصيب الناس بالذهول والحيرة والعجز عن معرفة الحق، ففي هذا الخضم المتلاطم والظلمات التي بعضها فوق بعض لن يجد المسلم النجاح في حياته والأمن الروحي والسلام الإيماني والراحة النفسية واليقين العقدي إلا في المسجد، ومن خلال منبره: ليعرف الحق من الباطل وليميز الطيب من الخبيث، في هذه الأحوال لا عاصم للمسلم إلا دينه، ولا نجاة له إلا في كتاب ربه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ومن أين له أن يجدهما إلا في رحاب المسجد وعبر منبر الجمعة والدروس والحلق والمحاضرات التي كانت دائماً وأبداً جزءاً من تاريخ ووجود المسلم عبر تاريخنا الإسلامي.
إن دعوات حصر منبر المسجد والمسجد عامة في مسائل بعينها دعوات خطيرة، ولا سند لها من نقل ولا من عقل، بل الواجب أن نسعى جميعا لتفعيل دور المنبر وبيان حقيقته الناصعة ودوره الشامل شمول الإسلام وأبديته أبدية الإسلام.
وهنا يجب التفريق بين شمول رسالة المنبر وديمومته وقدسيته وبين المسائل المتعلقة بالخطباء والأئمة الذين يرتقون المنابر، فمن المعلوم بالضرورة أن المنبر ثابت دائما في شموليته وقدسيته وضرورته للمجتمع والأمة، أما الأئمة والخطباء فمتغيرون ولا عصمة لأحد، ولكن الخطيب وهو يرتقي منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع مساجد الدنيا يكتسب من عظمة المنبر له عظمة ومن توقيره له توقيرا ومن مهابته له مهابة، عكس أولئك الذين يخلطون الحسن بالقبيح والنافع بالضار، وربما كان كثير منهم قد تمحضوا للضرر وتفردوا بالباطل من أهل المواقع التوجيهية الأخرى التي يجب أن تراقب بعناية فمنها يأتي الفساد لا من المنبر وأهله ومنها يخطر الخطر وليس من المنبر وأهله.
ومع ذلك فعلى الخطباء أن يكونوا - دائماً - من أهل التقوى والفضل والعلم والثقافة الواسعة والصدق والنصيحة وممن لا يكتمون ما علموا من الحق، ومن أهل الرزانة والفهم وتقدير المصالح والمفاسد لا تأخذهم في ذلك لومة لائم، ويبقى أن علينا أن نعلم علم اليقين - وهذا من المسلمات - أنه لا عصمة لأحد بعد أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام، وعليه فيجب أن تغتفر هفوات أهل الفضل وأن تغمر في بحار فضلهم وأثرهم الحسن على الناس.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved