إن تعظيم النصوص الشرعية والصفات التي ينبغي أن يكون عليها المسلم عند سماعه لتلك النصوص تعد من الأهمية بمكان إذ يجب أن يكون المسلم منقاداً مسلماً عند سماعه للنص طارداً للتحرج والتردد عن نفسه غيوراً على تعاليم الشرع أن يفعل ما أمرت بفعله أو يترك ما أمرت بتركه، وذلك يتطلب المسارعة إلى تطبيق أحكام النصوص إذ تعد دليل الانقياد وعنوان القبول والتسليم قال الله تعالى: {وسّارٌعٍوا إلّى" مّغًفٌرّةُ مٌَن رَّبٌَكٍمً وجّنَّةُ عّرًضٍهّا السَّمّوّاتٍ والأّرًضٍ أٍعٌدَّتً لٌلًمٍتَّقٌينّ}، فالمسابقة والمسارعة إلى فعل الخيرات والتنافس فيها من خصال الأنبياء التي أثنى الله بها عليهم {وزّكّرٌيَّا إذً نّادّى" رّبَّهٍ رّبٌَ لا تّذّرًنٌي فّرًدْا وأّنتّ خّيًرٍ الوّارٌثٌينّ، فّاسًتّجّبًنّا لّهٍ ووّهّبًنّا لّهٍ يّحًيّى" وأّصًلّحًنّا لّهٍ زّوًجّهٍ إنَّهٍمً كّانٍوا يٍسّارٌعٍونٍ فٌي الخّيًرّاتٌ ويّدًعٍونّنّا رّغّبْا ورّهّبْا وكّانٍوا لّنّا خّاشٌعٌينّ}.
وبعد الأنبياء كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أسبق الناس إلى ذلك، فلقد ضرب أصحابه أروع الأمثلة وأصدقها في المبادرة إلى امتثال وتعظيم النصوص الشرعية فكانوا مثالاً للمسارعة إلى فعل الخيرات والمداومة عليها، ومثالاً يحتذى في تعظيم النصوص والعجب أن حرصهم رضي الله عنهم، ليس مقصوراً على الواجبات فحسب، بل تعدى ذلك إلى المستحبات مما يبين طهارة معدنهم وصدقهم رضي الله عنهم ويكفيهم شرفاً وفخراً تزكية الله تعالى لهم وثناؤه عليهم في غير آية وكذا ما صح عن نبيه صلى الله عليه وسلم من مدحهم والثناء عليهم.
وقد ثبت عن الصحابة من الأخبار في المسارعة إلى فعل الخيرات تعظيماً للنصوص الآمرة بها ما يطول سرده فضلاً عن استقصائه وحصره.
ومن باب التذكرة والاعتبار نسوق بعض الشواهد الثابتة عنهم علها تكون شاحذة للهمم وباعثة للعزائم فمن ذلك ما ورد عن أبي بكر رضي الله عنه فلقد تفرد بخصائص لم يشاركه فيها أحد من الصحابة: فكان أسبق الناس إلى الإسلام، وأسرعهم تصديقاً للنبي صلى الله عليه وسلم فتصديقه الفوري لخبر المعراج وقناعته التامة بذلك دون تردد أو استبطاء واحدة من أعظم مناقبه.
وأما في المسارعة إلى المستحبات فقد حاز قصب السبق في ذلك، ففي الصحيحين أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه ينفق على مسطح لقرابته وفقره، ولما كان خبر الإفك وقع مسطح في شأن عائشة رضي الله عنها فلما برأ الله عائشة رضي الله عنها في خبر الإفك قال أبوبكر رضي الله عنه والله لا أنفق على مسطح شيئاً أبداً بعد الذي قال في عائشة فلما نزل قوله تعالى {ولا يّأًتّلٌ أٍوًلٍوا الفّضًلٌ مٌنكٍمً والسَّعّةٌ أّن يٍؤًتٍوا أٍوًلٌي القٍرًبّى" والًمّسّاكٌينّ والًمٍهّاجٌرٌينّ فٌي سّبٌيلٌ اللَّهٌ ولًيّعًفٍوا ولًيّصًفّحٍوا أّلا تٍحٌبٍَونّ أّن يّغًفٌرّ اللَّهٍ لّكٍمً واللَّهٍ غّفٍورِ رَّحٌيمِ}، فقال أبوبكر بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فأرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال والله لا أنزعها منه أبداً، أخرجه البخاري ومسلم.
ومن الشواهد أيضاً ما ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً، وكان أحب ماله إليه بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، قال أنس: فلما نزلت {لّن تّنّالٍوا البٌرَّ حّتَّى" تٍنفٌقٍوا مٌمَّا تٍحٌبٍَونّ ومّا تٍنفٌقٍوا مٌن شّيًءُ فّإنَّ اللَّهّ بٌهٌ عّلٌيمِ}، قال أبو طلحة يارسول الله إن الله يقول: {لّن تّنّالٍوا البٌرَّ حّتَّى" تٍنفٌقٍوا مٌمَّا تٍحٌبٍَونّ}، وإن أحب أموالي إليّ بيرحاء، وإنها صدقة أرجو برها وذخرها عند الله تعالى فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «بخ بخ ذلك مال رابح ذلك مال رابح» الحديث. وفي الصحيحين أن عمر رضي الله عنه قال: يارسول الله، لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي من سهمي الذي بخيبر فما تأمروني به؟ قال: «أحبس الأصل وسبّل الثمرة».
وإن هذه الشواهد وغيرها كثير حين نطرقها نطرقها من باب الحث على المعروف وترك المنكر بضدها وهو عدم القيام بتعظيم وتطبيق أحكام النصوص الشرعية وهي وقفات تستلزم النظر والتمعن والسعي حقيقة لتطبيق ذلك في واقعنا لمعالجة الكثير من المنكرات التي بدأت ثمرات العديد منها بالنضوج وبدأت تلقي بمآسيها في المجتمع.
(*) هيئة محافظة خميس مشيط |