يختلف البعض حول ما نحن مخيرون بشأنه وما نحن مسيرون بشأنه ولكن الكل يجمع على أن الانسان ليس مخيراً في المطلق ولا مسيراً في المطلق.
الانسان مخير في بعض أمور الحياة ومسير في البعض الآخر، و«العلاقات الانسانية» واحدة من أهم الأمور التي تخضع لذلك، فنحن لا نختار آباءنا وأمهاتنا ولا نختار اخواننا ولا نختار الأسر التي ننتمي اليها ولا نختار جيراننا.. الى آخره من الأمور الكثيرة غير المخيرين فيها، لكننا مطالبون ببر آبائنا وأمهاتنا وصلة رحمنا وتلك الواجبات أمر بها المسلم، فعقوق الوالدين وقطع الرحم من الأمور التي يأتم عليها المرء وتحمله ذنباً كبيراً، وهناك علاقات انسانية يكون المرء مخيراً فيها، بل ومسؤول عن اختياره أمام الله وأمام الناس، فواحدة من أهم وأسمى العلاقات الانسانية التي يكون الانسان مخيراً فيها هي «الصداقة» فالصديق هو الرفيق وهو الجليس، والمرء في هذه الدنيا مهما بلغ من سلطة أو جاه أو نجاح لا يمكنه العيش دون أصدقاء، يقول عملاق الصحافة المصرية مصطفى أمين رحمه الله في مقال بأحد كتبه، تحت عنوان «فقد الدنيا.. عندما فقد صديقا» دخل على مكتبي ذات يوم رجل أعرفه وفي عينيه مأتم وعلى شفتيه نحيب ويبدو مظهره مفزعاً فقلت له ما بك؟ فقال فقدت كل شيء في هذه الحياة! فقال له مصطفى أمين هل فقدت منصبك؟ قال له لا.. فقال له هل فقدت ولدك الوحيد؟ قال لا ولدي بخير.. فسأله هل ذهبت ثروتك؟ قال لا مالي كما هو..
فقال له مصطفى أمين ماذا حدث إذاً؟ فقال له الرجل لقد فقدت صديقي الوحيد في هذه الدنيا، كان عمودي الفقري الذي يقف خلفي عندما أواجه الأنواء، كان العصا التي أتكئ عليها، كان المنديل الذي يمسح دموعي، كان المرهم الذي إذا جرحت يشفي آلامي، كان الشمعة عندما تظلم الدنيا من حولي، فعندما ذهب شعرت ولأول مرة أنني وحيد في هذه الدنيا.. غريب في بلدي.. ضائع وسط الزحام، فما أشقى الانسان عندما لا يوجد من يشكو اليه ويتألم ولا يجد صدرا يحنو عليه، فالصداقة الحقيقية لا تولد ما بين ليلة وضحاها، إنها تمتحن في الشدائد وتظهر في المحن، وتقوى في المواقف الصعبة، يقول مصطفى أمين مقدما خلاصة خبراته الشخصية الكثيرة والواسعة في هذه الحياة، بأننا يمكننا أن نجمع بين الكثير من الأصدقاء لكل واحد منهم صفة عظيمة أو نبيلة، فيكون واحد يتميز بالوفاء والاخلاص والآخر يتميز برجاحة العقل والذكاء والثالث يتميز بطيبة القلب والحنان والرابع يتميز بالشجاعة والصمود والخامس يتمتع بخفة الدم والروح المرحة الى آخره من الصفات الجميلة فنجد أنفسنا محاطين بعشرة أصدقاء جيدين جميعهم مجتمعون يمثلون «صديقاً واحداً» ذلك الصديق النادر والجوهرة، وهذا بلا شك أفضل بكثير من أن نعيش في هذه الدنيا بلا أصدقاء لأننا نبحث عن «فص واحد من الماس في جبل من زجاج...»
لكن لا يمكن للمرء العاقل أن يقبل بصداقة أي من كان، لمجرد حصوله على أصدقاء!
فيقبل بصداقة شخص حتى لو كان ذلك الشخص يفتقر لأي من القيم والمثل العظيمة والنبيلة! فنسيء لمعنى الصداقة ونسيء الى أنفسنا ونؤذيها..
فكما قلت سابقا نحن مسؤولون عن اختيارنا لأننا مخيرون في ذلك واختيار المرء لصديقه ليس بالأمر السهل، فليس كل ما يلمع ذهباً، وليس كل من يقابلهم المرء من أشخاص في هذه الدنيا يستحق صداقته أو أن نطلق عليه لقب صديق، فالصديق لابد أن يكون ذلك الجزء من أجزاء تلك الجوهرة، عندما نعجز عن ايجادها في شخص واحد.. كلا واحداً صحيحاً...
اللهم أعطني أصدقاء يواجهونني بأخطائي، لا أصدقاء يدافعون عن أخطائي ويبررون اساءاتي
اللهم اجعل قلمي قوياً لا يخاف ولا يهتز، يكون سيفا أدافع به في وجه أعداء ديني ووطني
اللهم أعطني ذاكرتين ذاكرة ضعيفة تنسى الإساءة، وذاكرة قوية تذكر الإحسان
اللهم أعطني القناعة فهي كنز لا يفنى
اللهم أملأ قلبي بالإيمان
فالإيمان يقويني فلا أضعف
ويسعدني فلا أشقى
ويجعلني أحب الحياة
ولا أخشى الموت
* عضو الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
|