Friday 26th december,200311411العددالجمعة 3 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

فيض الضمير فيض الضمير
صاحب السيادة!!
د. محمد أبو بكر حميد*

وقفت على حديث عظيم المعنى لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه «من رزقه الله مالاً فبذل معروفه، وكف أذاه، فذلك السيد». وعجبت للمعنى الذي آلت إليه «السيادة» في هذا الوقت حيث حصرها أناس في الاتكال على أنسابهم وأحسابهم وحصرها آخرون في ما يملكون من أموال أو ما يتمتعون به من سلطان وجاه دون بذل حق ذلك المال والسلطان والجاه. ضاعت القيم وانقلبت الموازين واستبدلت المعايير المعنوية بالمقاييس المادية، فقد كانت «السيادة» الحقيقية عند العرب خلقاً وأدباً ومعاملات، وبعد الإسلام أصبحت أساس الدين كله. قيل لقيس بن عاصم: بم سدت قومك؟ قال: لم أخاصم أحداً إلا تركت للصلح موضعاً. وقال سعيد بن العاص: ما شاتمت رجلاً مذ كنت رجلاً، لأني لم أشاتم إلا أحد رجلين، إما كريم فأنا أحق أن أجلَّه، وإما لئيم فأنا أولى أن أرفع نفسي عنه. وقال رجل للأحنف بن قيس: كيف حزت السيادة وما أنت بأشرف قومك بيتاً ولا أصبحهم وجهاً ولا أحسنهم خلقاً؟ فقال: لما تركت من أمر الناس ما لا يعنيني لم ألق منهم ما لا يرضيني. ويروي الأصمعي أنه بينما كان يطوف بالبيت العتيق ذات ليلة إذ رأى شاباً متعلقاً بأستار الكعبة، وهو ينشد: يا من يجيب دعا المضطر في الظلم يا كاشف الضر والبلوى مع السقم قد نام وفدك حول البيت وانتبهوا وأنت يا حي يا قيوم لم تنم أدعوك ربي حزيناً هائماً قلقاً فارحم بكائي بحق البيت والحرم إن كان جودك لا يرجوه ذو سفةٍ فمن يجود على العاصين بالكرم؟! وسقط مغشياً عليه من البكاء فدنا منه الأصمعي فإذا هو زين العابدين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - فقال له: ما هذا البكاء والجزع يا سيدي وأنت من أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة! أليس الله تعالى يقول: {إنَّمّا يٍرٌيدٍ اللّهٍ لٌيٍذًهٌبّ عّنكٍمٍ الرٌَجًسّ أّهًلّ البّيًتٌ وّيٍطّهٌَرّكٍمً تّطًهٌيرْا} [الأحزاب: 33] ؟ فقال: هيهات هيهات يا أصمعي، إن الله خلق الجنة لمن أطاعه ولو كان عبداً حبشياً، وخلق النار لمن عصاه ولو كان حراً قرشياً. أليس الله تعالى يقول: {فّإذّا نٍفٌخّ فٌي الصٍَورٌ فّلا أّنسّابّ بّيًنّهٍمً يّوًمّئٌذُ وّلا يّتّسّاءّلٍونّ><101> فّمّن ثّقٍلّتً مّوّازٌينٍهٍ فّأٍوًلّئٌكّ هٍمٍ المٍفًلٌحٍونّ><102> وّمّنً خّفَّتً مّوّازٌينٍهٍ فّأٍوًلّئٌكّ لّذٌينّ خّسٌرٍوا أّنفٍسّهٍمً فٌي جّهّنَّمّ خّالٌدٍونّ><103>} [المؤمنون: 101 - 103]. وهكذا تسقط السيادة والجاه بالنسب كما سقطت السيادة بالمال والمنصب إلا بالعمل الصالح وحب الخير للناس والاخلاص في خدمتهم أما إيثارهم على النفس أو مساواتهم بها فهو أعظم ثمن يدفعه الانسان للسيادة ذلك لأن المرء لا يسود حقاً إلا إذا كسب محبة الناس، وأعظم انواع محبة الناس للعبد هي تلك التي يكتسبها بنية مرضاة الله في عباده. فكما يسأل الله العبد عن المال يسأله عن نسبه وجاهه يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يسأل العبد عن جاهه فيقول له: جعلت لك جاهاً فهل نصرت به مظلوماً أو قمعت به ظالماً أو أغثت به مكروباً؟». وتقف الشفاعة للناس في مقدمة سلوك صاحب السيادة الحقة يدفعها بجاهه وسلطانه، عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة صدقة اللسان. قيل: وما صدقة اللسان؟ قال: الشفاعة تفك بها الأسير وتحقن بها الدماء وتجر بها المعروف إلى أخيك وتدفع عنه بها كربة». أعجب أشد العجب للذين يبتغون السيادة في الناس بالنسب والمال والجاه دون دفع ثمن ذلك للناس خلقاً وتواضعاً وشفاعة ومواساة وبراً ثم يظنون أنهم بذلك أفضل من غيرهم من البشر. وأكاد أسمع صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم غاضباً عليهم محذراً لهم: «إن نبيكم واحد، وإن أباكم واحد، وإنه لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى. ألا، هل بلغتُ؟».

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved