عنوان حديث اليوم مستمد من عنوان كتاب، صغير في حجمه، كبير في دلالته، وما ضمّ بين دفتيه، من رؤية للواقع الذي نعانيه مع الأحداث، وتصحيح يطرحه المؤلف، رغبة في إزالة الغشاوة عن عيون أعماها الهوى، وأفكار انطمست المعالم عليها، في رغبة لقلب الحقائق، عن جهل أو تضليل.
إنه كتاب ظهر هذه الأيام، اسمه: رؤية حول تصحيح صورة بلادنا وإسلامنا للأستاذ الأديب حمد بن عبدالله القاضي في طبعته الأولى، حيث كان تأريخ مقدمة المؤلف به في 1/8/1424هـ الموافق 27/9/2003م وقد حفل بمقدمة ضافية من سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية، استغرقت قرابة الأربع صفحات (11-14).
ومما جاء فيها بعد الثناء على مادة هذا الكتاب، وما طرحه المؤلف من رؤية لمجريات الأمور، ثم ما حرص عليه من اهتمام بتصحيح المفاهيم، وفق الرؤية الإسلامية، والنظرة الشمولية للأمور، بأدلة شرعية من كلام الله عزّ وجلّ، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قال سموه الكريم في تزكيته لهذا الكتاب:
إنني أدعو إلى قراءة هذا الكتاب، وبخاصة الآباء والمربين، وأتوق أن يحثُّوا أبناءهم وطلابهم على قراءة كل كتاب يكشف سماحة الإسلام، بوعي وعلم، وقد اقترحت على الكاتب الكريم أن يقوم بترجمته إلى عدد من اللغات الحيّة كالإنجليزية والفرنسية، وإلى اللغات التي يتحدث بها المسلمون مثل الأوردية وغيرها. إن الباحثين عن الحقيقة في الغرب والشرق سوف يجدون الحقائق ماثلة أمامهم عن سماحة الإسلام، عندما يقرأون تعاليم الإسلام قراءة صحيحة فيرون إيمانه بالحوار ودعوته للسلام مع الآخرين، وصيانته للأعراض والأرواح والممتلكات (ص13-14).
وهذه تزكية لما طرح المؤلف في كتابه من مادة علمية، من رجل يدرك حقائق الأمور، وما تعنيه الكلمة من دلالة عميقة، فرغم أن الكتاب من القطع الصغير، قد جاء في 112 صفحة بطباعة أنيقة، إلا أن المؤلف قد صاغ عباراته بأسلوب شيق مقنع، هو من السهل الممتنع، حيث يجد فيه القارئ ما يسدّ الحاجة عن المطولات التي يسترسل فيها بعض الناس.
ومما زاد من مكانته أن المؤلف قد جعل ريع هذه الطبعة للجمعيات السعودية للإعلام والاتصال دعماً معنوياً ومادياً، متواضعاً لرسالتها النبيلة، تجاه وطننا وأمتنا: عقيدة وإنساناً.. وقد نشرته دار القمرين للنشر بالرياض. اندرجت موضوعات الكتاب تحت 19 عنواناً، كل عنوان فيه كلمات مختصرة موجزة، ولكنها ذات عمق في دلالة توضيح مكانة الإسلام، ومحاربته للغلوّ والتّطرف، وتفنيد للافتراءات التي يبرر بها الأعداء رغبتهم النيل من الإسلام، وهذه البلاد وحكومتها الراشدة، التي تعتز بحماية تعاليم الإسلام، وتطبيق شرع الله وحدوده وفق الثوابت التي أقام الله بها العدل في الأرض، ورفع بها الظلم، نصرةً للضعفاء، واحتراماً للإنسان وحماية لحقوقه، فقد أبان المؤلف: أن المسلمين مع الأحداث الأخيرة التي مرّت بجهات عديدة من العالم، وخاصة أمريكا، قام بها فئة شاذة من شباب المسلمين غيّرت مع الأسف كثيراً من صورة المسلمين، وتعاليم إسلامهم بسبب فئة من أبنائهم أساءت إلى تعاليم الإسلام، وإلى تسامح المسلمين، بمثل ما أساءت إلى الآخرين وشوّهت صورة الإسلام الصحيح وجعلته متهماً بالإرهاب، والمسلمين بالتطرف. (ص 20-21).
وفي بند نماذج من التهم: أوضح أنه لا يجوز الحكم على الإسلام بالتصرفات والانحرافات والإرهاب من أفراد محدودين، فالتعميم لغة الحمقى، كما يقول أحد المفكرين الغربيين، ولكن إعلام الغرب وكثيراً من مؤسساته حكمت على الإسلام والمسلمين من خلال أفراد لا يشكلون شيئاً في تعداد المسلمين، وعلى الغرب وعلى الآخرين أن يدركوا: أن الشذوذ والتطرف موجودان في كل دين، وفي كل ملّة، وفي كل ثقافة، ولدى كل شعب في هذه الدنيا (ص 25-26).
وتحت عنوان: من الداخل تبدأ الخطوة الحاسمة لجلاء الصورة: يقول عمَّن قام بالأعمال الإرهابية، وتولّى كبر جرائمها، هؤلاء المحسوبون على الإسلام، بسبب انحرافهم الفكري عن منهج الإسلام وتعاليمه: تتطلب مواجهة فكرية مستديمة، وتحتم مجابهة حاسمة حازمة، ذلك أن توفير القناعة بعظم جرائمهم، ونفي انتسابهم للإسلام لا يكفي لدرء شرورهم عنا وعن العالم. إنهم بكل أسى أعطوا أسوأ الصُّور عن الإسلام والمسلمين، فضلاً عن إساءاتهم لأوطانهم، وبخاصّة بلاد الحرمين الشريفين المحروسة: إن علينا أن نُفْهِم العالم أن هؤلاء خارجون عن تعاليم الإسلام، وكيف لا يكونون كذلك، وهم الذين قتلوا إخوانهم وأبناء جلدتهم، وكيف يحسبون على الإسلام، وهم الذين يقتلون المعاهدين في بلاد الإسلام، أو يقتلون أبناء الدول الأخرى، التي دخلوها بعهد (ص35-36).
وعن فرية الوهابية والشيخ ابن عبدالوهاب يرد بنفسه، فقد قال: إن ذلك العالم الذي اتهمت دعوته الإصلاحية المجددة، بالغلو وفكر التكفير، قد رَدَّ بنفسه على تلك الفرية، خلال حياته، فقد اتهم الشيخ بتأصيل الإرهاب من خلال دعوته، ولا أدري من أين جاءت هذه التهمة، والمنطق يقول: إن التهم تؤخذ من آراء وكتب الإنسان المتهم، ومن اطّلع وقرأ ما عند الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وهي ميسرة لمن أراد أن يطلع عليها ويتبع الحق، فإنه يجد الشيخ رحمه الله لم يدع ولم يتجاوز قيد أنملة، ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله والسلف الصالح، لقد كانت رسالته الإصلاحية هي عودة الناس إلى هذه المنابع الصافية التي تدعو إلى الإيمان الصحيح والتسامح، ونبذ البدع، التي تشوّه الإسلام، وتسيء إليه. إن كذب وبطلان وسقوط هذه التهمة تجيء من نفي الشيخ نفسه لها، وردّه على من اتهموه بالتشدد والغلو، وفكر التكفير، لقد اتّهم بهذه التهمة في حياته وها هي الفرية تتجدد بعد وفاته، ويؤكد هذا القول الذي يوحي بانزعاجه من هذا البهتان قوله: وأما القول: إنا نكفر بالعموم، فذلك من بهتان الأعداء الذين يصدُّون عن هذا الدين، ونقول: سبحانك هذا بهتان عظيم (ص52- 53).
وأورد أقوالاً ومقتطفات من رسائل الشيخ تردّ على افتراءات القوم قديماً وحديثاً.
أما قوله: ونالت من دعوته الإصلاحية التي تطلق عليها بعض الوسائل من عندها اسم الوهابية، وإلا فلا حقيقة لذلك وليس هناك شيء اسمه الوهابية، فأقول له: إن هناك فرقة خارجية أباضية في القرن الثاني الهجري في الشمال الإفريقي اسمها الوهابية ولها عيوبها، وقد ألبس الأعداء ثوبها الملوّث لدعوة الشيخ من باب التنفير، وقد أوضحتُ ذلك في كتابي: تصحيح خطأ تاريخي..
وفي الحقيقة أن هذا الكتاب، الذي أجاد فيه مؤلفه ثمين وجيد في موضوعه، جاء مختصراً بدون إخلال، وجيد بدون إملال.
بعد الفقر جاء الفرج:
يورد التنوخي - رحمه الله - حكايات وحوادث عصيبة وعجيبة في كتابه: الفرج بعد الشدة، ذلك الكتاب الذي يأتي فيه بقصص واقعية، تبين مواقف حصلت، فاشتدت وطأتها على بعض الناس، حتى إذا استحكمت حلقاتها، فَرَّجها الله بحسن التوكل عليه سبحانه، ومن ذلك قوله:
وجدت في كتاب عتيق فيه أخبار جمعها يعقوب بن بَيَّان الكاتب قال: حدثني بعض أصحابنا، وهو عندي ثقة، وقد تجارينا لزوم المتعطلين أبواب المتشاغلين، وتعذر الشغل عليهم، بعد أن قلنا جميعاً: إن الأرزاق مقسومة، وإن الله تعالى إذا أذن فيها سَهَّلها، قال: فحدَّثني عمرو بن حفص عن أبيه قال: كان أبي حفص قد صحب بعض عمال فارس إلى فارس، فأقام على بابه ستة أشهر يلقاه كل يوم فيها، فلا يكلمه العامل فيها بشيء، وينصرف أبي إلى منزله.
قال: فنفدت نفقته، وباع كل ما كان معه، حتى قال له غلامه يوماً: ما بقي إلا الدابة والبغل ودرهمان.
فقال له أبي: اشترِ لنا بالدرهمين خوخاً، فإنه أرخص من الخبز لنتقوّته، إلى أن يفرج الله عزّ وجلّ عنّا.
ففعل الغلام ذلك، وأكل حفص من الخوخ شيئاً ونام، فما استيقظ إلا بدقّ الباب، وإذا هو رسول العامل يأمره بالحضور، فركب فوجد العامل قاعداً في داره على كرسي، ينتظره.
فلما دخل قال العامل: لا جزاك الله خيراً عنّي، ولا عن نفسك.. قال حفص: ولِمَ ذاك، أصلحك الله؟
قال: أتستقيم على بابي ستة أشهر لم تَرَ على نفسِكَ أن تريني وجهك يوماً واحداً؟ فقال: أعزّك الله، أنا في مجلسك كل يوم. قال العامل: والله ما وقعت لي عليك عين، ولا خطرت على بالي إلا الساعة، فإني ذكرتك، فعلمت طول مقامك في العطلة والغربة.
ثم دعا العامل بكاتبه، فكتب لحفص على مدينة فسا، التي بينها وبين شيراز أربع مراحل، وعلى كورة «درا بجرد» بفارس وهي كثيرة المعادن جليلة النفائس - كما قال ياقوت. قال حفص فخرجت من يومي إلى العمل فحصلت منه في مُديدة قريبة سوى نفقتي: ستمائة ألف درهم (3:56-57).
|