هذا اللقب الذي يخلعونه على رؤساء الدول خلعته على نفسي مرة وذلك منذ نحو ثلاثين عاما وكان ذلك في نهاية الحفلة التي أقامتها لي عائلتي احتفالا بزواجي، وزاد عدد الحاضرين بين رجال ونساء على أربعين شخصا، كانت الزوجة عربية مسلمة ولكن من أسرة غريبة عن أسرتي ومن بلد عربي غير مصر، وكنت أعلم ان العائلة وبخاصة سيداتها كانت في ضيق من تصرفي لأن زواجي من غريبة جاء صدمة وخيبة أمل للخالات وللعمات اللواتي كانت كل واحدة منهن ترشح ابنتها أو ابنة أخيها أو ابنة أختها زوجة لي، كنت أعلم ان قلوب الكثيرات كانت تغلي غيظا ولكن لا حيلة لأحد في تبديل ما كان وكان في الحفلة من أقاربي محايدون من أصحاب الحياد الايجابي الذين يقفون على الهامش يتفرجون، ورحت أوزع في الصالون الكبير ابتسامات وايحاءات التحية ذات اليمين وذات الشمال، وأتلقى من هنا ومن هناك دعابات أكثرها حلو لطيف والقليل منها كان فيه غمز خفيف يمكن حمله على محمل الضحك والمزاح. وفجأة أحسست بالحاجة لأن أقول شيئا، شيئا خطيرا ومهما يحدد السياسة، سياسة حياتي من حيث علاقات بيتي ببيوت الاسرة وقلت في لهجة الخطيب بلغة بين دارجة وفصيحة وبين جد ومزح:
«أعلن نفسي صاحب فخامة لأني أصبحت بالزواج رئيس دولة صغيرة، أنا سيد هذه الدولة وتلك السيدة مشيراً إلى عروسي سيدتها والشعب على الطريق إن شاء الله، هذه حريصة على استقلالها بسائر شؤونها داخلية وخارجية لا تسمح لأحد أن يتدخل في أنظمتها الداخلية كما لا تسمح لأحد أن يعترض طريقها في علاقاتها الخارجية، وستكون هذه الدولة حريصة جداً على صلة الرحم وحسن الجوار. وكان وقع الخطبة حسنا عند البعض وثقيلا عند آخرين وراح الخبثاء من الطاهريين يلاحقونني باللقب فلا يخاطبونني إلا ب«يا صاحب الفخامة» عند اللقاء وفي المراسلات المكتوبة وأخشى أن أصدقائي في المملكة تعجبهم الدعابة فيضايقونني بهذا اللقب وأصبح صاحب الفخامة على كل لسان!!
وكما كنت أعلنت نفسي صاحب فخامة فإني أعلن نفسي الآن غير صاحب فخامة فإن اللقب القديم قد أدى مغزاه كاملا ونفضل هذا اللقب بعد فضل الله وتوفيقه.
عاشت مملكتي الصغيرة وتعيش بمنجاة من الصداع الذي تجلبه على البيوت تدخل زيد وعبيد من الاقارب وقد رزقنا الله الأولاد وصار للمملكة الصغيرة شعب صغير والحديث عن هذا الشعب الذي يتألف من ثلاثة أولاد حسان وطلال وعمر يوقظ في الخاطر ذكريات طفولتهم الحبيبة التي حاولت ان أطبعها بطابعي وهم اليوم من فضل الله رجال يواصلون خدمة المملكة التي أحبها أبوهم واتخذها وطنا.
أما بعد فهل أنت يا قارئي العزيز صاحب فخامة؟
* الرياض
|