قبل نهاية هذا العام سيبدأ معهد البحوث الجينية «في ولاية ماريلاند» بطرح نوع جديد من الأقراص المدمجة تحتوي على الخارطة الجينية للشخص الذي يطلبها.
ولقد استغرق فرز وتدوين وتسجيل الجينوم البشري اكثر من 15 سنة والآن جاءت مرحلة التوزيع وربما يأتي يوم تنافس فيه اقراص الجينوم اقراص الاغاني او الالعاب ولكن مقابل الحصول على خارطتك الجينية سيكون عليك دفع مبالغ طائلة.
وكل قرص يحتوي على ثلاثة بلايين ونصف البليون حرف من حروف الجينات البشرية وقراءة خريطة كل شخص ستكشف نوع الأمراض المصاب بها او التي ربما ستصاب بها في المستقبل.
وسيكون بمقدور كل انسان في المستقبل ان يحتفظ بقرص جينات خاص به، ولكن الخوف ان يحل قرص الجينات محل الكفاءات والمؤهلات.. فاذا افترضنا ان احدهم تقدم بطلب للعمل في شركة ما وبعد فحص الشركة للقرص نكتشف انه رشح للاصابة بمرض خطير من بعد فهل تقبل توظيفه ام لا.
ولكن في المقابل سيساهم هذا القرص في فرز امراض كثيرة مثل الكوليرا والسل والملاريا وبكتيريا القرحة وخلافه في سهولة وامكانية علاجها في وقت قصير.. بمعنى ان فرز المرض سيصبح مثل اي عملية حسابية يمكن التعرف عليها من خلال جمع وطرح حروف الجينات والتنبؤ باحتمال الاصابة بمرض معين فيما بعد.
وفرز المرض يبدأ بفرز الجينات، وفرز الجينات يبدأ بفرز الخلايا التي يبلغ عددها مائة تريليون خلية في كل جسم بشري والخلية تحتوي على ما يقرب من مئة الف جينة وكل جين يختلف في ترتيبه وفي تنسيقه من خلية الى اخرى، بمعنى ان خلية القلب تختلف عن خلية الرئة حسب ترتيب وتنسيق جينات كل خلية. ويعتمد الفرز على مقارنة مئة الف جين في كل واحد من المئة ترليون خلية.
ونكرر ان الترتيب والتنسيق هو العامل الحاسم هنا.. فمثلا ترتيب ثلاثة او اربعة جينات لشخص مصاب بفيروس مرض الايدز سوف يحدد ما اذا كان الشخص سيصاب بالمرض او سيقدر على مقاومة الفيروس. وللعلم فان احد الجينات التي تقدر على مقاومة الايدز توجد في جسم صاحب البشرة البيضاء وليس البشرة السوداء، وهذا يعني ان امكانية مقاومة الايدز ستكون اكبر وسط اصحاب البشرة البيضاء اكثر من اصحاب البشرة السوداء. ولكن من ناحية اخرى فان ترتيب نفس الجينات يحدد القدرة على مقاومة مرض الطاعون والجين المسؤول عن مقاومة مرض الطاعون توجد في اصحاب البشرة السوداء وليس البيضاء، ومن ذلك نستنتج ان توزيع الجينات في جسم الانسان يعتمد على عوامل جغرافية لا عوامل عرقية، اي ان العرق ليس حقيقة علمية وليس حقيقة جينية انه فقط مجرد تقسيم اجتماعي يعتمد على الملامح الخارجية ولون البشرة فقط.
ومن غرابة الجينات البشرية انه وجد ان مئة جين تقريبا من الجينات البشرية لا تختلف من شخص الى آخر ويعود اصل الجنس البشري الى اربع مجموعات افريقية وكلها سوداء.
واخيرا ما زال العلم يحبو في طريقه وما زال العلماء في بداية الطريق ويكفي ان الانسان قد اخترع الكمبيوتر الذي يقدر على اجراء ترليون ونصف عملية حسابية في الثانية الواحدة ولكنه لا يقدر على تقليد ما تفعله خلية بشرية واحدة ناهيك عن الجسم البشري كله.
( * ) استشاري الميكروبيولوجي والمناعة والفيروسات
|