أنتِ يا ذلك الصوت النُّوراني القادم من أعماق الحقيقة...
وكلَّما تعطَّلت السُّبل إلى النُّور...
وضاعت الحقيقة...
كلَّما كان القدوم إليكِ ضرورة...
يانوَّارة...
بصوتِ العقل أسمعكِ الآن...
كما كنتُ أفعل في لحظات الصُّعوبات
فكلَّما كانت نتوءات الطريق تعترض...
كان صوتكِ صولجان المسير... وذلك الشْلال من النور والعطور تُطهِّرين به ما علُق...، وتردمين به ما نتأ...
والصُّعوبات حينذاك كانت بريئة ببراءة الذي عَبَر...
أمَّا الآن فكلُّ شيء تعقَّد حتى الصُّعوبة ذاتها...
يا أنتِ في مداكِ أنتِ
تذكرين كم كنتِ ترفضين توجُّساً ينزل بالصُّدور عند مروق أرنب في رحلة برَّية.
... كما كنتِ لا تستجيبين لهلع التشاؤم من صوت البوم، أو مرور الحدَّأة... أو الغراب...
ولكن:
ماذا تقولين الآن وأرانب الطُّرق تكاثرت وتوالدت، و... تنامت الحدآت...، وتضخَّمت البوم؟! والغربان؟!
وحقيقة يا نوَّارة لم يعد زمن الفرح، ولا الاطمئنان.
فكيف إن علمْتِ، أنَّ تمازجاً عجيباً تحقَّق بعد رحيلكِ بين البوم، والحدأة، والأرنب، والغراب؟...، وأنَّ الأرض تحوَّلت إلى وعاء بخاري ضاغط، تُطبَخ فيه حياة الناس، ويُزجُّ بالناس عند فُوَّهته، حتى إذا ما استوى الغليان حدَّه، كانوا أوَّل المصطلين بنار البخار وأُتونه؟!...
فهل كنتِ سترفضين التشاؤم وتعلنين ذلك؟
وهل ثمَّة من تواكل أدَّى إلى أن يعجز الناس عن مواجهة هذا التوجُّس الفاتك بهم وبطموحهم وبرغائبهم بل عزائمهم؟!! بشيء ولو يسير من الهدوء.
ليس المنبعث من اللاَّمبالاة، الكامنة في التَّناهي الرَّافض لمواجهة الحقيقة، وإنَّما من الهدوء القادم عن وعيّ بوجود ثمَّة حقيقة لن تظل غائبة...
فأيُّ مسكوت عنه قد برز صارخاً في الوعي الجمعي يا نوَّارة بأنَّ ثمَّة مفقودات كثيرة؟!، وأيُّ منطوق به، قد تلاشى بين أصداء نداءات غامرة في التآكل...، موغلة في النَّحت، وأنتِ ليتكِ لم تشهدي في لحظة ما ذلك التَّهافت على هلع الخوف، في الأوجه المصفرَّة من صدى البوم قبل صوته، ومن سواد الحدأة قبل حلولها، ومن لمحة الأرنب قبل مروره...؟! ومن صوت الغراب قبل مثوله؟!...
نوَّارة...
كيف تعلَمين الآن مساس الحاجة إلى ضمير يفتك بلا ضميرية النَّوازع، وهي تهتك في نسق التَّلاؤم، عند حدود المعقول ولا معقول هذا الذي يتوجَّس له صمتُ الإنسان، بمثل ما يتهامس به، ويتجاهر!!
أشياء كثيرة يا سيدتي تحتاج إلى قدومكِ النُّوراني...
ذلك لأنَّ فجر الشتاء داكن، وأطراف الناس ترتعد...
وليس ثمَّة من أغطية يتلفَّع بها النائمون، فكيف اليقظون؟
أين صولجانكِ في حدَّة الحاجة إليه؟!
وقد كانت نسمة تنبثق منه، كفيلة بكلِّ ما يُعيد للأطراف دفءَ الثِّقة، كي تقوى على برْدها...
متى يكون التَّطهير
ومتى يحلُّ النَّهار...
ومتى يا نوَّارة تحضر قافلة تقلُّ فيها سِلال الأماني، التي تقادمت، وتآكلت، وليس ثمَّة من كيانات لها...، مخبوءةٌ في حقائب التوجُّس، والخوف، وأجساد الأرانب والحدآت والغربان والبومات؟!
ألا ينقشع ظلام الشتاء يا نوَّارة؟
تلك هي أقصى صعوبة للأسئلة في الحلوق...
فأينكِ يا سيدتي كي أستقلَّ صولجانكِ وأرحلُ به نحو مشارف الإجابات... نحو مسارب الحقائق... نحو ثمَّة ما سيأتي؟!.
|