Thursday 25th december,2003 11410العدد الخميس 2 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

عمل المرأة من المنزل عمل المرأة من المنزل
د. حامد بن مالح الشمري (*)

في الوقت الذي تبذل فيه المملكة العربية السعودية جهودها الرامية لتوطين وظائف القطاع الخاص بهدف زيادة فرص التوظيف للخريجين والخريجات، نجد أن هذه الجهود يعترضها الكثير من المصاعب ومنها عدم توفر وظائف كافية للأعداد المتزايدة من هؤلاء الخريجين والخريجات من مختلف مؤسسات وقطاعات التعليم، وعدم ملاءمة الكثير من الوظائف التخصصية والمهنية والميدانية بمتطلبات سوق العمل الخاص بسبب وجود خلل يتمثل في الزيادة الكبيرة في المخرجات النظرية والنقص الواضح في مخرجات التخصصات العلمية والمهنية والتقنية والحرفية.
أما العنصر النسائي الوطني وهو موضوع هذا المقال فإن أعداد الخريجات في تزايد كبير مما جعل فرص العمل محدودة. والمرأة المسلمة وبالأخص المرأة السعودية قوية بدينها وقيمها وعفتها وبمحافظتها على دورها الريادي في بناء الأسرة المسلمة وتربية النشء بجانب ما لها من مساهمات تنموية في التعليم العام والجامعي والتطبيب والمشاركة بالرأي والمشورة في مجالات عدة، وغير ذلك من المجالات المناسبة لها في المسيرة المباركة لبلادنا في ضوء الشريعة الإسلامية.
يقول البعض بأن العنصر النسائي في بلادنا معطل ولا بد أن تخرج المرأة للعمل وتزاحم الرجال حتى تتحقق المساواة والعدل في الحقوق وبالتالي يصبح لها دور ريادي في المجتمع، وهذا فهم خاطئ للحقوق، والواجبات والقيم الإسلامية - حتى وإن كان هذا الرأي لا يمثل إلا القلة القليلة من المجتمع -؛ إذ إن دور المرأة المسلمة الأساس يتمثل بالاهتمام بالمنزل والقيام بتربية النشء، وغيابها وتخليها عن ذلك الدور المهم يؤدي إلى كوارث وتصدع عنيف في بناء الأسرة تربوياً ونفسياً وعاطفياً يصعب علاجها والتضحية بها من أجل الأمور المادية المكتسبة من خروج المرأة وغيابها عن منزلها لساعات طويلة.
فالمرأة في الإسلام هي أصل المجتمع، لا كما يقول البعض نصف المجتمع، لأنه يقع عليها دور أساسي في تربية وتنشئة الأجيال الذين هم عماد وعمارة الأرض والتنمية بكافة مجالاتها، إضافة إلى أن عملها في بيتها متنوع وكثير مما جعل الكثير من الأسر تتخلى عن هذه المسؤولية تحت أعذار واهية وتجييرها للخدم والخادمات والحشم والسائقين؟!!
يمكن للمرأة السعودية أن تعمل من منزلها خلال ساعات فراغها في العديد من المهن والأعمال والتي لا تحتاج معها إلى الخروج من المنزل، ومن هذه الأعمال النسخ وإعداد البحوث، والترجمة، التجميع الإلكتروني لبعض الأجهزة، تغليف الأدوات والسلع، الأعمال اليدوية والفنون، إعداد المواد الغذائية المتنوعة وطهيها، مواد التجميل، الخياطة والتفصيل والتطريز، وكذلك البرامج الحاسوبية والكثير من الأعمال والحرف المنزلية الأخرى.
العديد من الدول المتقدمة توفر فرص العمل من المنزل للمرأة، بالرغم من شرعية مزاحمة المرأة للرجال لديهم والاختلاط بهم في سوق العمل في تلك المجتمعات الغربية أو الشرقية.
فلقد برزت فكرة عمل المرأة من المنزل بشكل منظم في المجتمع الغربي من خلال شركات القطاع الخاص منذ منتصف الثمانينات وكان هدفها هو إتاحة الفرصة للمرأة الغربية - بعد أن تخلت عن أسرتها- للعمل وهي على مقربة من أسرتها.
في عام 1989م تأسس المركز الوطني للوظائف المنزلية في كلومبس/ جورجيا وقد قالت إحدى المؤسسات للمركز:«لقد رزقنا بطفل وكان زوجي يعمل بدوام كامل ويرتاد المدرسة مساءً وشعرنا بأهمية بقائي في المنزل لرعاية طفلي، ولكننا كنا بحاجة ماسة لدخل إضافي وهو ما دفعني بحماس كبير لإجراء بحث في هذا المجال حتى تحقق الحلم وأصبح حقيقة».
الكثير من دول أمريكا وشرق آسيا توفر العمل المنزلي للمرأة وهو يمثل عائدات مالية لا يستهان بها، ومن الأولى للمرأة المسلمة أن يوفر لها ذلك ونعمل على تحقيق المنهجية والاستراتيجية التي تيسر عمل المرأة المسلمة من منزلها وبين أفراد أسرتها لما تتمتع به من خصوصية أكرمها ديننا الإسلامي الحنيف.
ولعل تطبيق هذه الفكرة من قبل رجال الأعمال والشركات السعودية يساعد في حصول المرأة وأسرتها على دخل مالي مقنع وتوظيف للمرأة خارج إطار سياسة التوظيف الرسمية، وهو بلاشك يراعي خصوصية مجتمعنا ويوفر مرونة كبيرة للمرأة بالعمل من داخل منزلها.
وفي هذا السياق فإنني أطالب رجال الأعمال بتأسيس شركة أو تخصيص جزء من نشاط الشركات والمؤسسات القائمة لعمل المرأة من المنزل مقابل أجر يدفع بشكل أسبوعي أو شهري غير محدد.
ففي اليابان مثلاً بعض المصانع تقوم بالاتفاق مع بعض ربات البيوت على وضع وحدات إنتاجية صغيرة في منازلهن للعمل عليها وإنتاج بعض المنتجات الخفيفة ذات المردود المالي الجيد، والمرأة العاملة من المنزل لا تحتاج أن تسوق إنتاجها بنفسها وإنما يقوم ممثل المصانع أوالشركة بالمرور على تلك المنازل واستلام المنتج، أو غير ذلك من الأعمال الممكنة للمرأة من منزلها. وعلى هذا الأساس فإن عمل المرأة من المنزل يحتاج إلى توفير بعض الأجهزة والآلات الصغيرة ومنها على سبيل المثال: آلة للخياطة والتطريز أو للتصوير والتغليف أو جهاز حاسب آلي لإدخال البيانات والطباعة وغير ذلك من الأجهزة المساندة، إضافة إلى ترك الخيار للمرأة للقيام بما تستطيع إنتاجه وإنجازه بطرقها الخاصة مقابل منحها أجراً مالياً يتناسب مع حجم العمل. ومن خلال هذا الأسلوب نساعد المرأة في استغلال وقتها المتاح في تأدية بعض الأعمال وهي بين أفراد أسرتها، وبالتالي يوفر لها ولأسرتها دخلاً مادياً وفي الوقت نفسه يحافظ على واجبات المرأة تجاه أسرتها.
والعمل من المنزل يعطي المرأة المرونة والحرية التامة في تحديد ساعات عملها حسب ظروفها وحاجتها بعيداً عن ضغوط العمل الرسمي ومشاكل النقل، وغير ذلك من السلبيات المترتبة على خروجها للعمل.
لا شك أن العمل من المنزل لا يحتاج للكثير من الخبرة باستثناء بعض الأعمال الفنية (برامج الحاسب، وإعداد البحوث، والترجمة، وبعض المهن الأخرى)، أما الغالبية من هذه الأعمال فهي تتطلب مهارات وقدرات تتوفر في الكثير من ربات البيوت إضافة إلى أن الكثير من النساء يتمتعن بتعليم ثانوي، أو جامعي، ولا شك أن العمل من المنزل للمرأة السعودية قد يحتاج إلى إجراءات تنظيمية وتوعوية وتدريبية لبعض المهن توفرها بعض الجهات وعلى أن يتم تزويد الراغبات في العمل بكتيبات ونشرات تتضمن وصفاً وتصنيفاً للأعمال الممكن قيام المرأة بها من المنزل، إضافة إلى توفير التعليمات والشروط والضمانات للراغبات في العمل، الأمر الذي يضمن لهن الحقوق والقيم الاجتماعية والمالية.
وبلا شك فإن المكاسب التي سوف تتحقق من هذا الأسلوب في توظيف المرأة كثيرة وكثيرة جداً، لعل من أبرزها ما يلي:
1- إيجاد فرص عمل كافية وملائمة لقدرات وظروف المرأة الأسرية.
2- تحقيق الشرط الإسلامي لعمل المرأة وهو عدم المزاحمة والاختلاط بالرجال في أماكن العمل وغيره.
3- تمكين المرأة من الجمع بين الوظيفة وبين رعاية شؤون بيتها وأسرتها.
4- تحقيق دخل إضافي للأسر المحتاجة، دون اللجوء إلى خروج المرأة من المنزل.
5- استفادة جميع النساء من هذه الفرص المتعلمات وغير المتعلمات والكبيرات والصغيرات والمتزوجات وغير المتزوجات، بل حتى ذوات الاحتياجات الخاصة يمكن أن يستفدن من هذه الفرص.
وبكل تأكيد، فلو فتح المجال لعمل المرأة من المنزل وفق ضوابط وضمانات تنظيمية وتسويقية ناجحة وفاعلة، فسوف تتجه العديد من النساء العاملات إلى هذا المجال، خصوصاً في المجتمع السعودي المحافظ، لأن هذاالنوع من العمل يتوافق مع العادات والتقاليد الاجتماعية المحافظة لمجتمعنا ولقد حرصت على طرح هذه الفكرة والحديث عنها، نظراً لقناعتي بأهميتها بالنسبة للمرأة السعودية، وسعياً لدعوة مؤسسات وشركات القطاع الخاص لخوض هذه التجربة، ودعوة المفكرين لمناقشتها وتداول الرأي حولها -كأحد الحلول المهمة لتوظيف المرأة- مع المحافظة على خصوصيتها.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل،،

(*) مديرعام إدارة الدراسات بمجلس الشورى

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved