كان سائداً في مجتمعنا السعودي استخدام عبارة (الله لا يغير علينا) للدلالة على الرضا بما هو كائن وواقع في المجتمع، أو في الحياة الخاصة للأفراد والتكتلات المجتمعية المتعددة. ومع ما تحمله هذه العبارة من دلالات الود والوفاء للواقع، ولصناع الواقع، والرضا به وبهم، والثناء عليه وعليهم، إلا أنها عبارة خطيرة جدا من منظورها المجتمعي الإنساني المتغير والمتحول بالضرورة.
إن حركة التغيير في العالم واقع لابد من الإيمان به، والإيمان بتلك العبارة يعد تعارضا صريحا مع هذه السنَّة الكونية. ولست أدري سبباً مقنعا يجعل مثل هذه العبارة تسود لزمن مضى أكثره، لكن بقيت مخرجاته إلى اليوم لا تؤمن بالتغيير، وتعتقد أن الاستكانة لما هو كائن إنما هو لب التعقل وخلاصته. فالله لا يغير علينا، فقط لنثبت لمن حولنا ولمن هو بعيد عنا، أننا نقتنع بما عندنا وبما لدينا، ونرفض غيره!! وذلك مع لمسة من ذكاء أو تذاكٍ بأن نُردف دائما القول بأننا ننفتح على الآخرين ونستفيد من (أفضل ما لديهم)، لكن عندما نشعر أن الأمر جديا وأن (أفضل ما عندهم) سيحل محل شيء من مركباتنا وعناصر ثقافتنا المباح تغيرها وتشكلها، ربما كان لنا رأي آخر، نؤخر بناء عليه إجراءات التغيير، حبا في الذات وإمعاناً في التشبث بمكاسبنا الوقتية الآنية، لأن التغيير الذي ربما يحصل لو حصل مدعاة لتغيير مصالح عدة نمتلكها، ومكانة مرموقة نتمتع بها أفراداً وفئات، لا كيانا مجتمعيا واحداً. إذن، المستفيد غالبا من ثبات الحال على الحال هو الناظر إلى مكاسب فردية أو آنية، أو هو مريد للثبات ظنا منه أن الثبات أحمد. أما الخاسر العظيم من ذلك، فهو المجتمع بفئاته وكياناته المتعددة التي يمكن أن تكون أحسن حالا لو خلا الأمر من مريدي الوقوف والتوقف، والخائفين من التحولات والتغيرات. ما أجمل أن يتغير المجتمع بهدوء ولكن بإصرار، وأن يتبدل وفق ما يتفتق عنه الفكر البشري بجرأة واقتدار، ولكن ضمن أسس ومبادئ وثوابت لا تهتك مرتين:
الأولى: بفرض وصاية عليها من لدن كيانات مجتمعية دون أخرى.
والثانية: بتهميشها من لدن دعاة التغيير الذين لا يجدون بيئة ملائمة للتغيير المستنير السريع الوثَّاب، فيعمدون إلى إجراء تغييرات غير متفق عليها بالضرورة، فينقسم الناس حول التغيير إلى أقسام شتى.
ومن هنا، ربما وجد أقطاب الاختراق حججاً وبراهين في ملامح واقع قد صدئت جوانب منه وبقيت ردحا من الزمن دون تغيير، وجوانب أخرى انشق الناس حولها فهان تسلط بعضهم على بعض. وما كان لمريدي الاختراق أن يدلفوا من هنا لو أن مريدي الثبات وعدم التطوير في مجتمعنا، ودعاة (الله لا يغير علينا) أتاحوا للمجتمع الوقوع في الخطأ من أجل التغيير؟ وعلموا أن حضارات الأمم والشعوب من لدن آدم عليه السلام إنما بنيت على التعلم من الأخطاء أكثر من بنائها على الصواب والبقاء دون حراك، وعلى التغيير والتبديل أكثر من بنائها على الثبات والدعة والاستكانة. إن الإبداع صنو الخطأ، والمبدعون هم الخطاءون، والخطاءون هم العاملون، والعاملون هم رواد التغيير.
(*)عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام
|