كان الحديث في الأسبوع الماضي عن الدولار الضعيف - عكس الدولار القوي - وعن امكانية استخدامه كسلاح لتحقيق مآرب وأهداف اقتصادية وسياسية وغيرها، لكن بتكلفة لا بد من تحملها. وهي ما تجعل انخفاض سعر صرف الدولار يبدو وأنه مشكلة تتطلب التدخل لإيجاد الحل الذي يعيد الدولار إلى مكانته العالية.
وإذا كانت البيانات الخاصة بالتجارة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية قد أثبتت أن الارتفاع الكبير في سعر صرف الدولار قد أدى إلى انخفاض كبير في صافي الصادرات الأمريكي، فإن انخفاضه بشكل كبير لم يكن له أثر إيجابي سريع على صافي الصادرات واحتاج الانخفاض إلى مزيد من الوقت ليؤثر على الصادرات ويعمل على زيادتها.
فقد بدأ سعر صرف الدولار في الانخفاض بشكل كبير في شهر مارس 1985م بعد أن وصل إلى أعلى مستوى له، واستمر هذا الانخفاض لما يقارب الثلاث سنوات. وكان المتوقع أن يصاحب هذا الانخفاض زيادة آنية في صافي الصادرات الأمريكية إلا أن ذلك لم يحدث، فقد استمرت قيمة الصادرات في الانخفاض إلى نهاية عام 1987م عندما بدأت في الزيادة.
وقد ناقش الاقتصاديون أسباب تأخر استجابة صافي الصادرات لانخفاض سعر الدولار وكان من ضمن التفسيرات أن التخلص من الآثار السلبية لارتفاع سعر صرف الدولار يحتاج إلى مزيد من الوقت ولا يتم بين ليلة وضحاها، فقد أدى ارتفاع سعر صرف الدولار في بداية عقد الثمانينات الميلادية إلى جعل أسعار المنتجات الأمريكية مرتفعة جداً مقارنة بأسعار مثيلاتها الأجنبية مما أفقد الشركات الأمريكية كثيراً من زبائنها في الأسواق العالمية وخسرت بذلك ولاءهم لمنتجاتها. وبالتالي فإن العودة إلى تلك الأسواق مرة أخرى واستعادة مراكزها فيها واستعادة الولاءات المفقودة نتيجة للدولار القوي يحتاج إلى جهد ووقت.
أمر آخر تسبب فيه الدولار القوي هو أن انخفاض الصادرات الأمريكية بسببه لفترة زمنية طويلة نسبياً أجبر العديد من المنتجين الأمريكيين وخاصة المصدرين على خفض إنتاجهم وطاقاتهم الإنتاجية والتصديرية، الأمر الذي يعيق الإنتاج من الاستجابة الفورية للتغيرات في الأسعار.
يضاف إلى ذلك، أن بقاء سعر الدولار مرتفعا لفترة طويلة جعل من السهل اختراق السوق الأمريكية من قبل المصدرين الأجانب ومنافسة المنتجين الأمريكيين.
وكانت المحصلة النهائية لسعر الدولار المرتفع أن أدى إلى تغلغل المنتجين الأجانب في السوق الأمريكية والحصول على موطئ قدم دائم لهم، وإلى تراجع قدرات الشركات الأمريكية على البيع في الأسواق العالمية.
وقد تطلب التحرر من هذا الأثر وقتا ليس باليسير، إذ كانت الفترة الزمنية بين انخفاض سعر الدولار وتحسن الميزان التجاري للولايات المتحدة الأمريكية أكثر من سنتين تقريباً.
وعاد صافي الصادرات مرة أخرى للانخفاض في عامي 1997م و1998م ويرجع السبب إلى ارتفاع سعر صرف الدولار ولو بشكل جزئي.
وتؤكد هذه العلاقة بين صافي الصادرات الأمريكية وسعر صرف الدولار على أن سياسة الدولار القوي ليست المثلى دائماً، وأنه بالإمكان حماية السوق الأمريكية من دخول الأجانب ودعم التواجد التجاري الأمريكي في الخارج وتكوين ولاءات قوية للمنتجات الأمريكية عن طريق أدوات غير تقليدية، لاسيما وأن الأدوات التقليدية قد يحظر استخدام جزء كبير منها بفعل الاتجاهات الاقتصادية الدولية المعاصرة.
|