أعوام تمر سراعاً دون أن نشعر بها، أو أن تمنح في حياتنا وهج ضوء وإن كان متقطعاً، وأعوام تجذبنا نحوها وتسيجنا في حدود شهورها وأيامها وساعاتها ودقائقها وثوانيها، ما انفكت تلازمنا وما برحنا ندلف من خلال طرقاتها وشوارعها ونرتاد دكاكينها ونلج قصورها وفيللها وشققها وإن مضت وبعدت عنا وغادرتنا واستجدت بعدها أعوام أخرى.
تظل ذاكرتنا تسترجع كل ما طرأ فيها وعبر خلالها وترك في النفس أثراً كالوشم لا يزول بسهولة ودون ألم. تظل ذاكرتنا تسترجع ذلك الشيء بخيره وشره، بحسنه وقبحه، بعطره ونتانته، ببهائه وشحوبه، بنشاطه وكسله، بما احتضنه ذلك العام من شيء وضده. ولأن هذا العام جلب لي هدية من الصعوبة بمكان أن أفرط فيها، لأن عام 2003م قد عزم على الرحيل وما بقي من أيامه إلا القليل، لأنه أهداني ما لم أتوقعه فشعرت بأن واشماً غرز إبرة وشمه وسكب كحله في ذاكرتي كاتباً «لا تنس 2003م».
وسمعت أصواتاً تلج قائلة:
2003م حمل لنا دوي انفجارات إرهابهم هنا وهناك.
2003م قتل ويتَّم وشرَّد وأباد وأحدث بلابل وأيقظ فتناً نائمة وترك خلفه نساء أرامل وفتيات مقعدات وشبابا معوقين.
2003م كشف المستور عن خلايا إرهابية جعلت من الدور والاستراحات والمزارع والصحاري وكراً لإخفاء قنابلهم ومؤامراتهم وتخطيطاتهم بخرائطهم المعْلِنة عن خطر محقق.
2003م زعزع أمن العراق «ولا أدري عن أي أمن يتحدثون مع وجود صدام وقتها» فهم من سيئ إلى أسوأ أو من أسوأ إلى سيئ أمام العراقيين.
إن كان 2003م قد أفضى لنا بسر المآسي وبدت واضحة للعيان فإن مآسيه تقابلها أفراح ولكننا دوما نغض الطرف عن المسرات إن بدت لنا على السطح مأساة واحدة هي في الغالب جرح مهيأ لأن يندمل.
وما وقع في عام 2003م اعتادته الشعوب قاطبة فلا داعي لأن نشق الجيب أو نلطم الخد ونتأسى، لأن ما وقع في العام نفسه من مسرات أولى بأن يعلن عنها ويحتفل بها كل عام وتدق لأجلها الطبول.
فكيف بالمسرات وهي حب يتوطن سويداء القلب فتقشعر له الأبدان وتلين معه القلوب وتبتهج به النفوس فتورق الأشجار ويثمر النخيل لكنها ليست أشجار الأراضي الزراعية ولا نخيل الأحساء!! بل أشجار الصدر ونخيل الفؤاد؟
الحب الذي غُرست فسيلته في عام 2003م وأثمر في العام نفسه، مَنْ انتبه إليه؟ مَنْ نسي المآسي أو تناساها والتفت نحوه؟ لو منحتموه من وقتكم جزءاً بسيطاً لاستحالت العذابات إلى نعيم، وغدا الجحيم جنة تسر الناظرين وتآلفت القلوب، وتآخى البشر، وتناقص عدد الأعداء وكثر المحبون والطامعون في وصال بعضهم البعض. لو أننا أحيينا ذكرى الحب ودوره في حماية النفس والمال والعِرض لما رأينا ما رأينا من مآس وحروب وويلات وفتن وإرهاب.
نذرف أدمع الحزن على من غادرنا تحت أنقاض الإرهاب، أفلا جعلنا من رحيل هذا العام وحلول ما بعده درساً يعيننا على نشر الحب المنزه من كل مطامع ومصالح وأهواء ورغبات؟
ص.ب: 10919 - الدمام 31443
فاكس: 8435352-03
|