القصة التي يعالجها مسلسل «الليل وآخره» ليست جديدة، فهي موجودة في العديد من الأسر، الابن الكبير الذي يحرم من التعليم، ليقف بجانب والده في المتجر أو الكشك، لمساعدة الأب وللحيلولة دون سقوط تجارته، وهكذا يتعلم الأبناء، يسافرون، يتزوجون، يقومون بعمل كل شيء، على راحتهم فرزقهم يأتيهم غدقاً، بفضل الأب والأخ الكبير، هذا الأخ يأكل ويتزوج ويتحرك، حسب مشيئة الأب، فجأة يجد هذا الأخ نفسه، مجرد نفر ضمن عدة أنفار، يوزع، المال والعقار، عليهم بالتساوي مع أنهم لم يعملوا شيئاً ليعلوا البنيان، كانوا مستهلكين فقط.. وفجأة أيضاً يجد الآخر الكبير نفسه رب أسرة كبيرة، يحتاج أبناؤها إلى التعليم والسكن والمواصلات، لكنه لا يستطيع أن يعمل لهم شيئاً، فهو مجرد أجير بدون أجر، في الوقت الذي أصبح فيه اخوته، الذين تعلموا وانخرطوا في سلك الوظائف، يقبضون الرواتب، وفوقها ما يريدون، من تجارة والدهم.. السؤال الذي ينشأ في مثل هكذا حالات: ما هو الوضع عندما يموت الأب؟ هل يتساوى من عمل مع من لم يعمل في الميراث كله، وفيما صرف على منازل الأبناء ومساكنهم وسياراتهم، وتوجيههم حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه! الأب وحده يعرف تضحيات ابنه، وكذلك الأم، لكن الشرع أو القانون، لا يعرفان، غير تعليمات، وأطر محددة على ضوئها، يتم ترتيب، وتوزيع الثروة، أو الميراث!!
هذه بالضبط قصة رحيم المنشاوي، والذي قام بدوره باقتدار الفنان الكبير يحيى الفخراني، فشدنا وأمتعنا بأدائه السلس طوال شهر رمضان المبارك، كما شدنا الأب والأم «هدى سلطان، ورشوان توفيق»، ونيرمين الفقي، التي قامت بدور مطربة الأرياف.. التي وجدها رحيم المنشاوي أمامه، وهو في خريف العمر، لتشعره دفعة واحدة، بأنه طوال عمره كان مثل ثور الساقية، من البيت للمتجر، ومن المتجر للبيت، لا رأي ولا حكم له حتى في تربية أبنائه، فقد كانت الزوجة التي أُختيرت له وأمه ووالده يوجهونه على هواهم، كانت هذه الغانية، القشة التي قصمت ظهر البعير، لتثبت لرحيم المنشاوي، أن الخروج من الطوق بات مستحيلاً، فقد كان عليه - بدءاً - أن يساعد والده لتعليم اخوته، ولتنتعش تجارة الوالد، وبعد ذلك مطلوب منه، أن يختار حتى أصدقائه من الرجال، لكي لا يهز مراكز اخوته الذين تربوا من جهده وعرقه وتضحياته، فما بالك إذا تطورت اختياراته من الرجال إلى النساء ليكون مثل اخوته، الذين تزوجوا ودرسوا، وفقاً لاختيارهم الحر! خروج رحيم المنشاوي وتمرده، على دور الأخ الأكبر، واستيلاؤه في لحظة التمرد، على ميراث الأسرة، فتت علاقته ليس باخوته فقط ولكن بوالدته أيضاً، فقد كنس في طريقه حتى اخوته البنات، ومنهن التي لم تتعلم أو تتزوج وفقاً لاختيارها، كان إحساسه بالظلم مضاعفاً، فلم يأخذ حقه فقط، لكنه أخذ حقه وحق غيره، وفوق ذلك جاء بلوح كبير، وسد كل ما بينه وبين أسرته.. ومع ذلك لم يجد طريقه إلى الراحة من خلال تحقيق أمنية حلم بها، بأن يتزوج باختياره، كما فتح الطريق واسعاً للعلم والتجارة أمام أبنائه!!
هذا المسلسل كان رائعاً، إلا أن كافة الأشياء الجميلة، لاتخلو من الفجوات، وإلا فما هو المبرر، لاختفاء العديد من الشخصيات، وأبرزها شخصية الأخ الأصغر، وما هو المبرر للتطويل والمط في الحلقات، فالقصة - عموماً - كان من الممكن عرضها في نصف المدة التي عرضت فيها..
لقد اعتمد المؤلف طريقة «الفلاش باك» في سرد هذه الرواية، وهي طريقة مهلكة، إذا كانت أساسية، بمعنى أن يعتمد كامل المسلسل عليها، فهذه الطريقة، ولولا حنكة ودراية المخرج، ربما كانت سبباً في سقوط المسلسل.. يحيى الفخراني ونيرمين الفقي ورشوان توفيق وهدى سلطان كانوا نجوم المسلسل والبقية تفاصيل! أما المسلسل الثاني فهو «رجل الأقدار: قصة عمرو بن العاص» والذي قام ببطولته الفنان الكبير نور الشريف، ولعل أهم ملاحظة يجدر ايرادها هنا أن المطلع على سيرة خالد بن الوليد ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص، ان العديد من القصص الموجودة في هذا المسلسل، ليست موجودة في سيرة عمرو بن العاص فعلاً، وربما أريد من سردها، ربط بعض أحداث المسلسل بمصر، أو ربما توسيع قماشة المرحلة المصرية، في حياة عمرو بن العاص، وربما لإشعار أقباط مصر، بأن حبهم لمصر يعادل حبهم للإسلام الذي فتحها، وأعاد الأمان لها ولسكانها، ولوضع مقارنة بين قهر الرومان لأقباط مصر وحدب وحب الإسلام أو المسلمين لهم، ما دفع بعض أقباط مصر إلى المطالبة، بأن تكون لهم الكلمة، في كل ما يكون لهم وجود فيه من المسلسلات التي تتعرض لحياتهم أو عقيدتهم!
أما النقطة الثانية فهي اللغة، فقد اختلط علينا، هل نور الشريف يؤدي دوره باللغة العربية الفصحى أم باللغة الثالثة «على طريقة توفيق الحكيم» أم باللهجة المصرية الدارجة.. لم أشعر بلغة نور الشريف ومشاركيه في هذا المسلسل، إلا عندما شاهدت الأداء الراقي لأبطال مسلسل «الحجاج».
ولن أتحدث عن مواقف كثيرة أغفل ذكرها في المسلسل عمداً.. خاصة وهو كان مكرساً للإشادة بعمرو بن العاص، القائد ورب الأسرة والمحب لزوجته ولصديقته ورفيق دربه خالد بن الوليد..
إن نور الشريف مهما كان أداؤه يظل علامة مضيئة في هذا المسلسل وغيره، ويكفيه فخراً، أنه قدم «سواق الاتوبيس»، والثلاثية، ولن أعيش في جلباب أبي، وعمر بن عبدالعزيز، كلها مسلسلات وأفلام تضعنا بإزاء فنان يحترم نفسه.
فاكس:4533173
|