Wednesday 24th december,2003 11409العدد الاربعاء 1 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

التغيير...! التغيير...!
إبراهيم عبد الرحمن التركي

(1)
** في كتابه «أسطورة الإطار» المترجم ضمن «عالم المعرفة» مايو 2003م نظر المفكر العالميّ «كارل بوير 1902 1994م» إلى الوجود بوصفه مشتملاً على ثلاثة عوالم.. «العالم المادي».. و«العالم الذاتي».. و«العالم المعرفيّ».. وفصّل فيها مما لا مجال لعرضه..!
** تتداخل هذه العوامل في علاقات متشابكةٍ ليبقى العالم «المعرفيّ» عالماً متغيِّراً.. بما يشمله من فكر وعلم وفن وأدب وسياسة وتقاليد وأعراف وقيم.. وأهم مكوناته «النقد».. بحيث تقل «الأخطاء».. وتتواصل «الأجيال».. ويستمر «البناء»..!
** ركَّز «بوير» على النقد «العقلي» النائي عن «الرفض» السلبي.. و«البكاء» العبثي.. و«الخوف» المَرَضي..!
** فيما سلف بعضُ ما قاله.. وشيء مما نقوله.. وفيما يلي جوانب مما يستحق القول..!
(2)
** في زمننا مرّت «المعاهد العلميّة» بحركةِ تغيير شاملةٍ.. لو تمت هذه الأيام لعُدّت «ثورة».. ولقوبلت «بعواصف» من «الاحتجاجات» و«التأويلات».. ولطرحت نظرية المؤامرة والهدم والتجرؤ على الثوابت والمعتقدات..!
** تصوروا «المعاهد» التي لا تعرفُ من «الرياضيات» سوى مادةٍ يتيمة يسمونها «الحساب».. ولا تأذن لشيء من «العلوم» إلا ما أطلقوا عليه «الصّحة».. و«الجغرافيا» مصطلح لا وجود له بل «التقويم» اتكاءً على مفهوم «تقويم البلدان» التراثي.. وتدرِّس المواد الشرعية بما فيها «مصطلح الحديث» و«أصول الفقه» و«العقيدة الواسطية» و«العقيدة الحمويّة» و«زاد المُسْتْقنِع» و«شرح ابن عقيل على الألفية» و«تفسير الجلالين»، إضافة إلى «العروض» و«القافية» و«البلاغة» و«التاريخ».. وما جرى مجراها..!
** «معاهد» سارت على هذه الصورة «المحافظة» وئيدةً.. هادئةً.. نمطية.. منذ أن أسست في أول السبعينيات الهجرية.. وتخرجت فيها «مجموعات» من متخصصي «الشريعة» و«اللغة العربية».. زوَّدت التعليم «العام» و«العالي» بنخبٍ «متميزةٍ» في مجالين مهمين من المجالات المعرفية.. وكان لها كذلك دورٌ في تقديم كفاءات مؤهلة شغلت مناصب إدارية في مستويات متعددة..
(3)
** لم يكن أمام خريجي «المعاهد» أيّ فرصةٍ للالتحاق إلا «بكليتيها» و«معهدها العالي للقضاء».. ثم أتيحت لهم فرص محدودة في بعض الكليات «العسكرية» وقسم «اللغة العربية» بكلية الآداب وجامعة الملك عبد العزيز في وقت لاحق.. كما أضيف تخصصا «التاريخ» و«الجغرافيا» لكلية اللغة العربية.. !
** هنا تبدو المفارقة بين مرحلة تسمية الجغرافيا «بالتقويم».. وقصره على بعض الدراسات «الإقليمية» المحدودة بالتضاريس والمناخ وعدد السكان وأهم المدن.. وبين وضعه قسماً مستقلاً انفصل مع أقسام أخرى في «كلية الدراسات» ثم «العلوم الاجتماعية»، وأنشئت كليات أخرى بعد تحويل «الرياسة العامة للكليات والمعاهد العلمية» إلى «جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية».. ثم دخلتها «تخصصاتٌ» لم تكن في «المتعارف» عليه من مهامها مثل «اللغات» و«الترجمة» و«الحاسب» الآلي..!
(4)
** الحديث ليس لاستعراض تاريخ الجامعة «فصاحبُكم بعيدٌ عن متابعة تطوراتها منذ أن غادر مقعد الدرس غيرَ راغب في «الإعادة» حين رشّح لها مع بعض زملائه خريجي قسم الجغرافيا..» لكنه يسوقُ هذه التوطئة من أجل الأجيال الجديدة التي وُلدت فرأت الواقع الحالي.. ولم يتح لها دراسة المتغيِّرات خلال حقبة «التسعينينات» الهجرية.. وهو هدف هذه الأربعاوية «الاستذكارية»..!
** فوجئنا ونحن في نهاية المرحلة المتوسطة بالمعهد المكونة سنواته الدراسية من خمس سنوات بتمديد الدراسة لسنةٍ «سادسة»، بحيث يتفقُ مع التعليم العام في ذلك.. وليس هذا بيتَ القصيد.. لكنه جانب يشير إلى مبلغ «التغيير» الذي تم في «هيكليّة» الدراسة بشكلها الجديد..!
** كانت المفاجأةُ الأكبر في «المقررات».. التي تعرضت لانقلابٍ شمولي.. فقد أدخلوا مع موادنا الشرعية والعربية: «الجبر» و«الهندسة» و«حساب المثلثات» (قبل ظهور الرياضيات الحديثة التي دمجت هذه الأفرع في مادة واحدة )، و«الكيمياء» و«الفيزياء» و«الأحياء»، والتربية والمناهج وطرق التدريس، والمجتمع والخدمة الاجتماعية، مع «حذف» مواد أخرى.. أو «تخفيض» ساعاتها.. أو تهيئة «طبعات» مختلفة عن الكتب «التراثية» التي اعتدنا على التلقي منها..!
** قُررت تلك «المواد»، واستقدم لها «معلمون»، ولم تتوافر «معامل» فاستفاد معهد عنيزة على سبيل المثال من إمكانات «ثانويتها»، وكنا سعيدين بهذه «التحولات».. وكان «أهلونا» سعيدين معنا، وأحسسنا أننا جزءٌ من العالم نعرف شيئاً عن «الذرة» و«التفاعلات»، و«الطاقة» و«الإشعاعات»، و«نظرية فيثاغورس» و«آينشتاين» و«أرخميدس»..!
(5)
** كان العبءُ كبيراً.. فقد جُمعت لنا مقررات «المعاهد».. و«الثانوية».. و«معاهد المعلمين».. ولكننا فرحنا بحركة «التغيير» من حيث هي بدءاً.. ومن حيث هي نتاجاً..!
** ومثلنا كان المجتمع المحافظ.. فلم يتهم أحدٌ أحداً.. ولم يخفْ أحدٌ من أحد.. ولم يبكِ أحد على مآل التعليم «الديني» الذي كانت المعاهد «وظلَّت» أحد أرقامِه المهمة..
** لكم أن تقدّروا حجمَ ما تم في إطار تغيير مناهج ومقررات «المعاهد» حينها.. ولكم أن تندهشوا.. كيف تمت بكل هدوء..؟.. ولم تقف.. بل طالتها عمليات «تعديل» و«تبديل» لاحقة.. ألغت وأضافت على أسس «تربوية» تمنع «ازدواج» التعليم بين المؤسستين التعليميتين الرئيستين: وزارة المعارف (كما كانت تسمى» وجامعة الإمام.. «ولعل آخر تعديل قرأناه قريباً هو تكثيف ساعات اللغة الإنجليزية، وإدخال الحاسوب، ودمج بعض المواد العربية في مادة «مهارات لغوية»)..!
(6)
** تم التغيير «الشامل» دون ضجيج.. واستمر بلا إشكالات.. مما يثير علائم استفهام حول موقفنا اليوم حين يطرح مشروع تطوير المناهج لمراحل التعليم العام.. وكأننا على شفا كارثةٍ.. رغم أن الجميع يدرك أن في بعض مقرراتنا كثيراً من الحشو، وكثيراً من التكرار، وكثيراً من الإملال.. و نتساءل:
* ما الذي يمنع دمجَ مواد مع بعضها، أو إلغاء فصول.. أو أبواب.. أو موضوعات..؟
* أو ليس الأساسُ «التربية» حين التنشئة..؟ و«البذار» في وقت الزرع..؟ وهل نفترض في مقرراتنا تخريج علماء في كل الفنون..؟ أم طلاب علم قادرين على «التعليل» و«الاستدلال» و«التفكير» و«الحكم»..؟
** استفهامات عفوية مباشرة لا تتجه إلى صانع القرار التربوي فقد أخذ المبادرة، وكُونت لجنة عليا، ولجان فرعيّة، ويبقى أن تحكم مصلحة الأجيال القادمة ما ستتخذُه اللجان من قرارات..!
** إننا بالتردد.. والخوف.. وسلطة رجل الشارع.. سنحرم الوطن من تطويرٍ نواجه به «تخلفنا» التقني و«ضعفنا» المعرفي، ونحل به «تدني» التأهيل.. و«تنامي» البطالة..!
(7)
** قد يعتقد «خطورةَ التغيير» في «المقررات» «الشرعية» و«العربية» من لم يدرك أن تكثيفها الحالي لم يستطع حل أزمة «الجهل المركب» الذي ينتهي إليه معظم خريجي مدارسنا، بل وجامعاتنا في هذين التخصصين..!
** الحكاية ليست «كمّاً».. فما نُعلّمه من مفرداتِ بعض المواد في «الصفوف الأولى».. نكرره «بتوسع» في الصفوف العليا، وباستطراد في المرحلة «الإعدادية»، و«بحشو» و«إسهاب» في المرحلة «الثانوية»..!
** «الغيرةُ» الصادقةُ على «الأمة» ممارسة «ذاتيّة» «شعوريّة».. و«منهجيّة» «جمعيّة» تتجه إلى «الغد».. وترقب «التحديات».. وتدرس «بعلميّة».. و«حياديّة» الاحتياجات «المشروعة» لأجيال تريد أن تعيش على الأرض.. وتتعايش مع المستجدات..!
(8)
** جاء في منهج «السلف» أنهم لا يتجاوزون «عشر آيات» من القرآن الكريم حتى يحفظوها ويفهموها ويعوها ليعملوا بما فيها.. (ويكفي هذا دلالةً على أسلوب «تحصيلهم» وانعكاساته على تفوقهم «العلمي» و«الفكري»).. وجاء «الخلف».. فوجدوا «مقرراتٍ» لها صفة «الثبات» رغم أن تغييرها لا يطال «الخطط» و«الإستراتيجيات»..!
** كنا «متسامحين» «مرنين» قبل حادثة الحرم.. ثم أصبحنا قلقين بعدها.. «خائفين» إثر حرب الخليج الثانية.. «متأزمين» بعد حادثة 11 سبتمبر.. وبتنا نتنازلُ كل يوم حتى بدت الخسائر مضاعفة..!
(9)
** لم لا نقرأ «الغد» بلغةِ «الإيمان».. و«اليقين».. و«حسن الظن».. فالمفترض في «المنهج» أن يكون «مرتكزاً» صلباً في جذور الأرض لا ناطحة سحاب في الهواء تطيح بها طائرة.. أو صاروخ.. أو زمن.. فما يتعلمه «الطفل» من «التوحيد» عبر سورة «الإخلاص» يكفيه ليواجه كل «شركيّات» الدنيا وابتداعاتها..!
** لم يبق لنا من دراستنا إلا تلك «الأساساتُ» القديمة القيِّمة التي عرفنا ووعينا وأيقنا وطبقنا من خلالها «أركان الإسلام» و«الإيمان» و«الإحسان».. وشروطها.. وواجباتها.. وحللنا وارتحلنا.. ولم نتبدَّل.. رغم أننا نسينا تلك «المطولات» التي أفاد منها قلة من الباحثين المتخصصين..!
** المقرر مجرد أداة..!

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved