زماعي أن القى النوى وزمامي
بكفي، فأقصر أو فكف ملامي
وما كنت لولا حب سمراء ذاكرا
ربوع رضاعي أو ربوع فطامي
تجرعني الكأس التي مر طعمها
وتمنعني من طيبات طعامي
وتصرف عيني عن وجوه كثيرة
إليّ حبيبات اللقاء وسام
تيممت نجدا أستريح إلى الصبا
وقلت: بنجد قد يطيب مقامي
وإن أنا ودعت (الرصافة) والهوى
فعندي جديد من هوى وهيام
وعندي إذا غاب (الفرات ودجلة)
مناهل ماء من (نمار) يمامي
تحلبه (الدهناء) في فلواتها
وتضربه الأنواء سوط غمام
ويجرى على الأفواه عذبا، كأنما
يذوّب فيها سكراً بمدام
ينابيع ما تنفك تبصر عندها
ورود يمام أو صدور حمام
تدافع إذ لا مورد الماء سائغا
بضنك، ولا عهدي بهن ظوامي
ولكنه زهو الصبا ومراحه
وفرط ائتلاف بينها وزحام
وقفت لدى (منفوحة) أسأل الثرى
لعل له علما ببعض نيام
أسائله عن أهل كأس وقينة
وأهل قعود للهوى وقيام
وناعمة خضراء من سمراتها
أطلت سكوتي عندها وكلامي
تمد غصون الشعر فوقي ندية
وتنثر أوراق العروض أمامي
وتهمس في أذنيّ أن تحية
لنا من غوي للغواة امام
فقيل: هنا كان (ابن ميمون) سادراً
طريح سلاف أو ضجيع قوام
وقيل: هنا كانت (هريرة) نفحة
من الحب تسري تحت جنح ظلام
وقيل: هنا كانت (قتيلة«1») تنثني
على (الصنج) تشدو أو تطوف بجام
وفتشت عن (نار المحلق والندى«2»)
وسود أثافيٍّ وبيض خيام
وعن خفرات زفهن عرائسا
كرائم حلت في بيوت كرام
تساءلت هل بقيا رماد لطارق؟
وهل عند هذي الدار غير رجام!!
ويوم جرى (وادي حنيفة) أشرقت
وجوه لهدار الغوارب طام
وفى، بعدما طال المطال، بوعده
لأهل وفاء في الورى وذمام
أناف على (درعية) ينذر الذرا
بحرب نفديها بألف سلام
فرد الحقول الخضر ملهى جآذر
ورد المراعي الفيح قيد سوام
وقرت عيون (للعيون) قريحة
وسرت قلوب (للقليب) دوام
وطارت بي الذكرى الى أرض (بابل)
وسحر حلال عندها وحرام
الى (الكوفة الحمراء) باكية السنا
على أفق باكي الجوانب دام
الى شجر النخل المديد ظلاله
على شاطئ رحب المدى مترام
تميس أعاليه وفي سعفاتها
شموخ على أقنائه وتسام
الى (الكرخ) يا ويح الرصافة لو درت
بما فعلت بالكرخ بيض نعام
حبائب، لا أبياتها ببعيدة
علي، ولا أوقاتها بلمام
تتبعها حسب (العناوين) خاطري
ونادى على الأبواب حسب (أسام)
مسارح لهو، ما تزال تشدني
إليها قوى من صبوة وغرام
فان أنس لا أنس (القناة«3»وصدرها)
وأيام صفو بيننا ووئام
وأيام اشكو الوصل حتى أرده
جديدا بهجر كاذب وخصام
وأيام (حبانية«4») ومياهها
مقيلي لديها نعمة ومنامي
ترى الطير تغشاها وتعلم انها
ملاذ لها من حرقة وأوام
فمن وارد يشفي غليل جوانح
ومبترد يطفي لهيب ضرام
وسابحة والماء ظمأن حولها
له الويل من جار ويصبح ظامي
وتابعت (عنس البحتري ورحله«5»)
الى شامخ يختال بين اكام
الى قائم عند (المدائن) اشعث
كسته يد الأحداث ثوب قتام
سرى والليالي دون عون على السرى
وهجّر والأيام دون لثام
وأمعن لا يشكو لغوبا ولا وجى
أجب سنام مستطار لغام
ووافى: له في العين منظر أشيب
ولكن في جنبيه روح غلام
يلم الصبايا حوله، ويضمها
اليه، كما ضم الفراخ قطامي
وما أوحشته غربة، وانيسه
ذوات خمار أو ذوات فدام
تميس على صوت (الرباب) قدودها
ويرقصها و(الناي) صوت