إن حساسية الأنف وأعراضها المنتشرة جدا بالدول المتحضرة تصيب ما يقارب 10-20 من التعداد العام للبشر.ولقد أجريت أبحاث عديدة ارتكزت معظمها على عدة أسئلة و فحوصات مخبرية وكذلك طبية للمصابين بهذه الحالات، أكدت هذه الأبحاث أن نسبة الانتشار في الدول الأوروبية في أواخر القرن المنصرم لهذه الحالات في ازدياد.
وتتميز أعراض الحساسية بهرش الأنف، والعطاس وجريان السائل المخاطي الأنفي وانسداد الأنف، وهناك أعراض إضافية منها الصداع وانعدام حاسة الشم واحمرار العيونConjunctivitis كما أن أنواع الحساسية تعتمد على وقت تعرض الإنسان لمسبباتها، وهي تنقسم إلى ثلاثة أنواع، النوع الأول حيث يصاب به المريض معظم أيام السنة Perennial ويعرف بالسنوي، أما النوع الثاني فيعرف بالفصلي Seasonal حيث يتأثر به المريض حسب تغير فصول السنة، والنوع الثالث يسمى العملي Occupational ويتأثر به المصاب من طبيعة عمله.
وتحدث الحساسية السنوية نتيجة التعرض الدائم إلى الكائنات التي تعيش في الغبار وتدعى House dust Mite وكذلك في فرو الحيوانات أما الحساسية الفصلية فهي تنتج عن رحيق الأزهار والأعشاب ومنها الزيتون والبندق وشجر الأرز وشجر الخوخ وغيرها. وتتفاوت مضاعفات الحساسية الفصلية حيث تتأثر بالوجود أو السكن الجغرافي للمصاب إذ انه يقطن في أماكن كثيفة بالأشجار المذكورة أعلاه وكذلك فصل الرحيق لهذه النباتات والى تقلبات الطقس، ومن المهم التفرقة بين أعراض الحساسية وأعراض تنتج عن أمراض أخرى مشابهة لها مثل سيلان الأنف غير الحساسية وغير المعدي Non allergic Non infectious وهناك أيضا بعض الأشخاص الذين لديهم حساسية من مادة الأسبرين وهي أيضا تؤدي إلى أعراض مثل الرشح والصداع وغيرها كما أن أمراض الغدد الصماء وبعض الأعمال مثل العمل في مجال الأقمشة والزراعة والقطن وتناول بعض الأدوية كلها تؤدي إلى أعراض مشابهة للحساسية إضافة إلى بعض الممارسات الخاطئة كسوء استخدام قطرات أو بخاخات الأنف مثل Otrivin وغيرها لمدة طويلة لما لها من تأثير سلبي على الغشاء المخاطي خصوصا بعد أن يتعود أو يدمن المريض على استعمالها ويصبح من الصعب جدا التخلص منها علما بأنها لا تفيده ألا لثوان معدودة فقط.
كما أن هناك أسباباً غير معروفة للإصابة بالرشح يقال عنها Idiopathic وهناك أمراض مثل اللحميات الأنفية (عناقيد العنب) Nasal Polyposis والتهابات الجيوب الأنفية المزمن Wegners Disease and Cystic Fibrosis والأورام الحميدة والخبيثة بالأنف والجيوب الأنفية فكل هذه الأمراض يجب أن نستبعدها عندما نعالج المريض المصاب بالحساسية لذلك نجد العلم الحديث والمتبع يشدد على أهمية التشخيص الدقيق للمريض الذي يعاني من رشح بالأنف إذ إن هناك أعراضاً ومسببات من الممكن أن تتواجد في نفس الوقت لدى المريض الواحد وهذا يتطلب معالجة خاصة.
ومن الشائع جداً الاعتقاد أن تشخيص حساسية الأنف أمر سهل لأي طبيب أو حتى عند أهل المريض ولكن قد يكون الأمر اكثر تعقيدا وصعوبة لذلك نؤكد وبشدة على ضرورة استشارة المختصين في هذا المجال وذلك للوصول إلى التشخيص الدقيق ومن ثم العلاج المناسب والفعال ويعتمد التشخيص السليم بدرجة أساسية على أخذ تاريخ المرض عند المصاب وبدقة شديدة كذلك تاريخ الحساسية إضافة إلى معرفة طبيعة وخصائص المرض بشكل عام كما أنه من المهم معرفة ما إذا كان المريض قد استعمل أي دواء لعلاج الحساسية قبل مراجعة الطبيب المختص.فهناك احتمالات كثيرة قد تكون هي السبب مثل الالتهاب بالصدر والتهاب الجلد أو دخول فصل الربيع والصيف حيث الرحيق المنتشر بالجو. ومن الممكن أيضا أن تكون حساسية للأطعمة فكل هذه الاحتمالات يجب أخذها بعين الاعتبار لذلك نعتبر أن موضوع التشخيص ليس بالأمر السهل بل هي مسألة شاقة ويلزمها وقت طويل وصبر وأسئلة كثيرة وأجوبة أكثر ومن هنا نجد أن الطبيب لابد أن يعطي المريض الوقت الكافي للوصول إلى الحقيقة والى التشخيص السليم وبعدها تبدأ مرحلة الفحص الدقيق للأنف والحلق بالطرق المعتمدة وقد يلزم الأمر الفحص بمنظار الأنف والحنجرة وهنا لابد لنا أن نشير إلى أن الفحص بالمنظار أصبح من الأساسيات في الطرق المعتمدة في العيادة سواء بوجود البنج الموضعي أو بدونه وأن بعدم استخدامه يكون الفحص ناقصاً وغير مكتمل إذ أن المنظار يساعد وبدرجة كبيرة على الوصول للتشخيص السليم بإذن الله كما أن التقنيات الحديثة وفرت أنواعاً متعددة من المناظير لسهولة الاستخدام فمنها المنظار السهل الالتواء الذي يستخدم للأطفال حديثي الولادة وكذلك للمتقدمين في العمر وأيضا هناك المنظار ذو الزوايا والانحراف.
واستكمالا للطرق السليمة للتشخيص من الممكن عمل الأشعة الطبقية للجيوب الأنفية إذا وجد سبب لذلك وعند الوصول إلى تشخيص حساسية الأنف يجب أن نؤكد هذا التشخيص بعمل بعض الاختبارات الهامة مثل اختبار الحساسية بواسطة الوخز الإبري للجلد وكذلك قياس نسبة الميكروبات في الدم المسببة لهذه الحساسية.
وتعتبر الطريقة المثلى لتجنب وعلاج الحساسية هي تعديل المحيط الذي يعيش فيه الشخص المصاب بمعنى إذا كان المريض يعاني من حساسية مع وجود بعض الحيوانات الأليفة بالمنزل مثل القطط والكلاب والعصافير فيجب هنا إبعاد هذه الحيوانات إذ من الممكن أن تكون هي سبب معاناة المريض.
وكذلك إذا وجد بعض تبعات النش أو الرطوبة على الجدران وخاصة بغرف النوم فإنه من الممكن أن يكون هو السبب للحساسية لوجود فطريات تعيش بداخلها كما أن وجود زهور واشجار بالمنزل وخارج المنزل تعتبر أحد الأسباب إضافة إلى وجود سجاد من الحائط إلى الحائط حيث يعيش بداخله حيوانات ميكروسكوبية تسبب الحساسية.
إن إصابة الأنف بالحساسية يفرض ممنوعات كثيرة على الشخص المصاب مما ينعكس سلبا على نفسيته وعلى حياته الاجتماعية بشكل عام حيث إن المصاب بالحساسية يعاني من العطاس والرشح الشديد مما قد يؤدي به إلى الانعزال عن المجتمع إضافة إلى ما تسببه من إحراج متكرر أثناء العمل مما يؤثر على مدى إنتاجه وحرمانه من التمتع بنوعية حياة جيدة Quality of Life كما أن الأطفال قد تتأثر حياتهم سلبا إذا لم يتم علاج الحساسية لديهم في مراحل عمرهم المبكرة إذ قد تؤدي إلى صعوبة في تحصيلهم الدراسي نتيجة فقدانهم التمتع بساعات النوم السليمة والصحية.
إن الله عز وجل خلق لنا الأنف وجعله العضو الوحيد للتنفس منذ اللحظة الأولى للولادة كما أن نبينا الكريم أمرنا بالاستنشاق ثلاث مرات عند كل وضوء أي (15 مرة) نقوم بغسل الأنف في اليوم الواحد وبالتأكيد هذه دلالة واضحة على أهمية الأنف وانه لابد لنا من الاهتمام به ومراجعة الطبيب المختص فور الإحساس بأية أعراض غير طبيعية وذلك لعلاج المشكلة منذ بدايتها.
د. شكري محمود حماصني
استشاري أمراض الأنف والأذن والحنجرة وتنظير وجراحة الجيوب الأنفية
مستشفى المركز التخصصي الطبي
|